د. فوزية البكر
حلق اسم المعلم عالياً في سماء بلادنا هذا العام احتفالاً بيومه العالمي والذي يصادف الخامس من أكتوبر في كل عام فتسابقت كليات التربية والجامعات وسبقهم وزيرنا للتربية والتعليم برسائل الحب والتقدير الذي يستحقها المعلمون حول العالم فعلاً.
ويُقام اليوم العالمي للمعلمين تكريماً لهم واعترافاً بمساهمتهم في التعليم والتنمية وتأكيداً على أهمية الدور الذي يلعبه كل معلم داخل فصله في كل يوم من حياة أبنائنا بما يرفع من قيمة المعلم وقيمة مهنة التدريس ويزيد من الوعي بأهميتها بين أفراد المجتمع من مختلف الشرائح والمكونات.
ويتزامن مع هذا اليوم أيام أخرى تعقد في بلدان عديدة مثل يوم تقدير المعلم الذي يعقد في أول ثلاثاء من شهر مايو من كل عام في الولايات المتحدة، كما تحتفل به دول أخرى في 28 من شهر فبراير وهكذا.
وتعرِّف الرابطة الوطنية الأمريكية اليوم الوطني للمعلمين بأنه: يوم لتكريم المعلمين وتقدير المساهمات التي يقدِّمونها في حياتنا وتستطرد بتأكيدها أهمية الدور الذي يلعبه المعلمون في تعليم أبنائنا وتشكيلهم كقادة للمستقبل بقولها: إنهم مهنيون، صبورون، ومتفهمون، يصوغون حياة أبنائنا في اتجاه إيجابي، حيث يبقي التلاميذ مع معلميهم طوال يومهم وهو ما يؤكد تأثيرهم الكبير على أبنائنا.
لذا فإن مهنة التعليم رغم أنها (وفي معظم بلدان العالم) لا تلقى الأهمية والاحترام الذي تلقاه مهن أخرى مثل الطب والمحاماة (بسبب أن عدد سنوات الإعداد والتدريب لها لا يتوازى للأسف مع الطب أو المحاماة)، إلا أنها مهنة مهمة لكل فئات المجتمع، إذ لا طفل إلا وبالضرورة جلس على مقاعد الدراسة في عصرنا الحديث ومن ثم فإن جودة إعداد المعلم وطرق اختياره لدخول المهنة ونوع التدريب المستمر الذي يجب أن يتعرَّض له والحوافز المرتبطة بعمله كلها عوامل ذات أهمية قصوى في المستوى العلمي (المعرفة بالتخصص) والمهني (جودة الأداء في إيصال هذه المعرفة وإدارة الصف ... إلخ من العمليات التي تعتمد عليها مهنة التدريس) التي ستظهر لدى المعلم بعد التحاقه بالمهنة.
لدينا في المملكة حوالي نصف مليون معلم في القطاع العام وحوالي أكثر من 35 ألف في القطاع الجامعي أو أكثر، وهؤلاء يحملون على عاتقهم مستقبل البلاد بتهيئة هذه الملايين من الطلبة والطالبات وتزويدهم بالمعارف والمهارات العقلية والشخصية والمنطقية والفنية والتقنية التي يحتاجها عصرهم، ولذا فكل ما يفعلونه داخل فصولهم كل يوم هو همنا الأول والأخير، فابني هناك مثل ابنك وأتطلع أن يقضي وقتاً ممتعاً ومثمراً داخل فصله وأن يتطلع كل يوم إلى الذهاب إلى مدرسته، فهل هذا ما يحدث مع أبنائكم؟
يعتقد الكثيرون أن مهنة التدريس مثل غيرها من المهن التي يكفي فيها التدريب ليصبح الشخص جاهزاً للمصنع اليومي يصب فيه بعض المعرفة اللغوية أو العلمية أو الدينية ويعود بعدها لأخذ قيلولته! فهل يصح هذا؟
المعلم الذي سيحقق حلم هذه البلاد بصنع رجالات ونساء مستقبلها الطموح بما يوازي أحلامنا الكبيرة وبما يتوازى مع حجم رؤية المملكة هو ذلك المعلم الذي خلق ليكون معلماً وأول خصاله هي محبة المهنة ومحبة تخصصه ومحبة طلبته.
يؤكد الفيلسوف البرازيلي باولو فيراراي في كتابه (فلسفة المقهورين) على أن الحب والصدق هما من أهم خصائص المعلمين الناجحين، إذ إن الكلمة الصادقة هي القادرة على تغيير العالم ما عدا ذلك فإنها تصبح مجرد ثرثرة فارغة المحتوى، ومثلها الحب الذي يجب أن يسود سلوك المعلم وحواراته مع طلابه الذين يثقون في معرفته وفي ثقته فيهم وينظرون له كمحفّز وداعم، إذ وكما يرى فيراراي فإن الحب موقف شجاع ولذا فهو لا يقوم على الاستغلال (استغلال سلطة المعلم التي هي فوق سلطة الطلاب)، بل هو يولّد الرغبة لدى الطلاب لتلمس وتحقيق حرياتهم الفكرية والمعرفية، وهكذا فإذا لم يستطع المعلم أن يحب العالم والحياة والناس فلن يكون في مقدوره أن يعلم فن الحياة.
معلمونا هم سر حياتنا وهم بجانب أمهاتنا من يزرع أو ينزع الرغبة في التعلّم والحياة فأيهما تختار يا معلمنا القدير؟