د.شريف بن محمد الأتربي

وضعت الكثير من الأدبيات العلمية والدراسات والمقالات صفات معينة للقيادة. واعتبرت هذه الأدبيات أن القائد المتميز في أي مجال من مجالات الحياة يجب عليه أن يتمتع بهذه الصفات مع تراوح في نسب وجودها عند الشخص حسب التكوين الفكري والسمات الشخصية والعقلية لهذا القائد، التي ستؤثر حتمًا في قدرته القيادية، ولكنها لا تنتقص منها بقدر ما تضيف إليها.

ولعل من أبرز هذه الصفات: تحمُّل المسؤولية الملقاة على كاهله، القدرة على التفكير السليم وقت الأزمات، امتلاك مهارات التواصل، الثقة بالنفس، الرغبة والطموح في نجاح العمل، القدرة على اتخاذ القرارات السليمة في كل الظروف، الثقة المتبادلة بينه وبين فريق عمله، المرونة في التعامل، التمتع بنظرة مستقبلية، محاولته الدائمة لحل المشكلات، وغيرها من الصفات التي تسهم في نجاح القائد في مهمته.

وقد طالعتنا جميع وسائل الإعلام العالمية والإقليمية والعربية والمحلية قبل أيام بنص حديث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- مع قناة CBS الأمريكية التي تميزت بالشفافية والقوة في الطرح والرد من قِبل سموه على كل الأسئلة التي وُجّهت إليه.

وقد تميّزت هذه المقابلة عما سبقتها من المقابلات في كونها أبرزت العديد من السمات القيادية لسمو ولي العهد. ففي جانب تحمُّل المسؤولية، وعندما سُئل -حفظه الله- عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي -رحمه الله- كان رده: أتحمل مسؤوليتها بالكامل بوصفي قائدًا في المملكة العربية السعودية، وخصوصًا أنها حدثت من مسؤولين سعوديين يعملون في الحكومة السعودية. وبهذا الرد أخرص -حفظه الله- كل الألسنة التي سعت للنيل من المملكة والصيد في الماء العكر لهذه القضية التي آلمت المملكة حكومة وشعبًا قبل أي أحد آخر.

وفي القدرة على التفكير السليم وقت الأزمات كان رد سموه على السؤال المتعلق بضرب معامل التكرير في المملكة العربية السعودية؛ إذ قال: هذه الضربة لم تضرب قلب قطاع الطاقة السعودي، بل ضربت قلب قطاع الطاقة العالمي. هذه الضربة عطلت ما يقارب 5.5 % من احتياج العالم للطاقة، احتياج أمريكا والصين والعالم بأسره. كما قال ردًّا على سبب قيام إيران بمثل هذه العملية: إنها حماقة، لا يوجد هدف استراتيجي، فقط الأحمق هو من يهاجم 5 % من إمدادات العالم. الهدف الاستراتيجي فقط هو إثبات أنهم حمقى، وهذا ما فعلوه. وهذا الرد يظهر جليًّا مدى قدرة سمو ولي العهد -حفظه الله- على التفكير السليم وقت الأزمات، فلو أنه شخص آخر، وتعرضت دولته إلى هجوم، وهناك إشارات واضحة لشخصية المعتدي، لسارع بشن هجوم عليه، وسيجد كل الدعم من العالم بأسره، ولكن وقت الأزمات تظهر صفات القادة.

وفي جانب امتلاك مهارات التواصل كان رده -حفظه الله- حول تأثير قيام حرب بين السعودية وإيران: المنطقة تشكل تقريبًا 30 % من إمدادات الطاقة في العالم، وتشكل تقريبًا 20 % من المعابر التجارية العالمية، وتشكل تقريبًا 4 % من الناتج القومي العالمي. تخيلوا أن تقف هذه الأمور الثلاثة. هذا معناه انهيار الاقتصاد العالمي كله، وليس فقط المملكة العربية السعودية أو دول الشرق الأوسط. وهي رسائل موجهة إلى قادة العالم، تنبههم إلى أن الخطر القادم من إيران لن يضر المملكة فقط، ولا الخليج، ولكن أثره يمتد ليشمل مصالح العالم أجمع. وهذه الرسالة تبرز مهارة التواصل بشكل واضح لدى سمو ولي العهد.

وقد ظهرت مهارتا الثقة بالنفس، والرغبة والطموح في نجاح العمل، في رده -حفظه الله- على سؤال بشأن حرب اليمن حين قال: إنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وإن الحل أن توقف إيران دعمها لميليشيات الحوثي، وهنا سوف يكون الحل السياسي أسهل بكثير. وإن التحالف اليوم يفتح كل المبادرات للحل السياسي داخل اليمن، ويتمنى أن يحدث هذا اليوم قبل الغد. نحن نقوم بذلك كل يوم لكن نحاول أن ينعكس هذا النقاش على تطبيق داخل الأرض، وإعلان الحوثي منذ أيام عدة وقف إطلاق النار من تجاهه نعتبره بادرة إيجابية لاتخاذ خطوة جديدة للأمام للدفع بالنقاش السياسي إلى فاعلية أكثر. وكان رده -حفظه الله- على سؤال عن أسباب تفاؤله الآن، وبعد مرور خمس سنوات على الحرب، بإمكانية استمرار وقف إطلاق النار؛ إذ قال: بوصفي قائدًا يجب أن أكون متفائلاً كل يوم، لا أستطيع أن أكون متشائمًا. إذا كنت متشائمًا يجب أن أترك الكرسي، وأعمل في مكان آخر. وهذا التفاؤل صفة أخرى من صفات القائد التي يعكسها على فريقه.

وقد تجلت مهارات الصراحة والصدق وحسن التعبير عن الرأي في رده -حفظه الله- عن أسئلة متعلقة بالشأن الداخلي للمملكة، خاصة فيما يخص قضايا المرأة ومحاولة اقتصارها على احتجاز بعض الناشطات؛ إذ قال: المملكة العربية السعودية دولة تحكمها القوانين، وقد لا أتفق مع بعض هذه القوانين، لكن طالما أنها قوانين موجودة اليوم فيجب احترامها حتى يتم إصلاحها. وحين سُئل -حفظه الله- عن تعرض إحداهن للتعذيب كان رده: إذا كان هذا الأمر صحيحًا فهو بشع جدًّا. الإسلام يحرم التعذيب، قوانين المملكة العربية السعودية تحرم التعذيب، النفس البشرية تحرم التعذيب. وأوضح أنه بنفسه من واقع تحمُّل المسؤولية سيقوم بمتابعة هذا الأمر.

لقد كان حديث سمو العهد حديثًا دسمًا شيقًا، أبرز من خلاله جميع صفات القيادة التي تتوافر لدى سموه -حفظه الله-، وكانت جميع الردود على الأسئلة الموجهة إليه صريحة، وفي محلها، ولم يحاول الرد عليها بطريقة دبلوماسية، بل كانت ردوده تنم عن وعي كامل وإدراك لكل ما سُئل عنه، ورغبته كقائد في حل جميع المشكلات التي تواجه المملكة في الداخل والخارج.

إن تمتُّع سمو ولي العهد بهذه الصفات القيادية لم يأتِ من فراغ؛ فهو ربيب ملك ابن ملك، ربيب سلمان بن عبد العزيز رمز الحكمة والقيادة في الوطن العربي والأمة الإسلامية؛ فلا عجب أن يكون سمو ولي العهد يسير على درب أبيه. حفظ الله قادتنا وديارنا، ورد كيد أعدائنا في نحورهم.