زهير بن سليمان الحربش
يحلو لوالدي أن يحدثني عن تجاربه الشخصية، وعن المنعطفات التي كان لها دور رئيسي في مسيرته المهنية، ومن ذلك أنه لا يفتأ يتذكر بكل ما تحمله الكلمة من معاني الوفاء أساتذته المصريين الذين تتلمذ على أيديهم بجامعة القاهرة خلال النصف الأول من عقد الستينيات الميلادية في وقت كانت العلاقات السياسية بين مصر والمملكة لم تكن على ما يرام، لكنه كان يأخذ هذه الأمثلة للبرهنة على صفاء وأصالة الإخوة المصريين. هذه الذكريات وجدت هوى في نفسي وأنا أبدأ حياتي المهنية في مؤسسة النقد العربي السعودي (لجنة تسوية المنازعات المصرفية)، فقد أعاد التاريخ نفسه في شخص رحل عنا مؤخراً وهو المستشار الأستاذ عبدالمنعم رفاعي عمارة، هذا الرجل أدين له بمعروف لا أنساه؛ فقد وجد في شخصي المتواضع ما دفعه إلى أن يفتح قلبه وصدره لي، كان نعم الموجه لي وأنا أتلمّس طريقي في أداء واجباتي في زمن قلَّ ما تجد فيه من يتطوّع طائعاً مختاراً لمساعدة الآخرين.
كنت قد أتممت دراستي في قسم الأنظمة بكلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود ووجدت نفسي أمام النقطة الحرجة التي يواجهها كل من يشق طريقه في عالم مهنة القانون وهي الانتقال من حياة التنظير والقراءة والاقتباس إلى عالم التطبيق العملي والتحليل القانوني.
بكل ما تنطوي عليه هذه المهنة من متطلبات التحليل والاستنباط والنقد، فقد أثلج صدري ما نقل إليّ دون علمي آنذاك، أنه قال عني أنه يتوسَّم فيَّ خيراً، وأنه يتنبأ لي بمستقبل مشرق ولا أستطيع أن أكتم فرحتي بما ورد على لسانه من ثناء بي وبقدر هذه الفرحة، فقد تألمت كل الألم عندما علمت بوفاته من خلال ابنه الأستاذ محمد عمارة. كان المرحوم مثلاً للمستشار القانوني النزيه مستنده مؤهلاته العلمية والمهنية، حيث حصل -رحمه الله- على ليسانس الحقوق عام 1958، وكان من بين أوائل الدفعة، كما التحق بمجلس الدولة ثم حصل على الماجستير في القانون (دبلومين في القانون أحدهما في القانون العام والآخر في القانون الخاص)، كذلك حصل على ماجستير في القانون من جامعة السوربون في باريس. أُعير للعمل بوزارة التجارة بالرياض من عام 1981 حتى عام 1986 ساهم خلالها في إصدار مجموعة المبادئ النظامية في مواد الأوراق التجارية والتي لا تزال أحد أهم المراجع في المكتبة العربية في كل ما يتعلّق بالأوراق التجارية، ثم التحق بعدها للعمل بمؤسسة النقد العربي السعودي (لجنة تسوية المنازعات المصرفية) منذ عام 1987 ولمدة قاربت خمسة عشر عاماً. له من الأولاد (د. ناهد وتحمل دكتوراه في التحاليل، وأستاذ بمركز البحوث بمصر، محمد وهو قاض ورئيس محكمة استئناف القاهرة، فاتن وتحمل دكتوراه في طب الأطفال، ونائب رئيس هيئة التأمين الصحي).
إن ذكرى هذا الرجل العطرة كانت تلاحقني خلال دراستي العليا بالولايات المتحدة الأمريكية خاصة عندما قال أحد أساتذتي إنه ليس لدي أي إشكال في التحليل القانوني للقضايا وهو في رأيي صدى لما تعلّمته وسمعته من الفقيد الراحل.
رحم الله الفقيد وأحسن إليه في الدنيا والآخرة بقدر ما قدَّمه من معروف لتلاميذه.