إلى الصديق الدكتور جاسر الحربش
كيف يرقَى رقيَّك الكتّابُ
وبكفيّك مبضعٌ وكتاب
أطبيبٌ ؟ أم كاتبٌ ؟ أم أديبٌ ؟
غلبتني في وصفك الألقابُ
قد كسوتَ الطبيبَ ثوبَ أديبٍ
فتجلتْ في طبه الآدابُ
وتصدّرتَ كاتبا مستنيرا
لك في كل حلقة جِلبابُ
من أمالي شيخ المعرّة فكرٌ
وتراثِ الشيخِ الرئيس إهاب
كم عليلٍ أتاك وهو كئيبٌ
هدّه اليأسُ والجوى والعذابُ
قاده الهمُّ نحو بابك لمّا
أُغلقَتْ في دروبه الأبوابُ
وجد الطبَّ في البشاشةِ سرا
وسرورا من فيضها ينساب
بلسمُ الروح وصفةٌ لعليلٍ
نصفُ أدوائه أسى واكتئاب
فتح الطبُّ في حياتك أفْقا
لرؤى ما لبابها حُجّابُ
تلمس الجرحَ في مفاصلِ أرضٍ
أثخنتها خناجرٌ وحِراب
تعرف الداءَ والدواءَ، ولكنْ
كيف والكونُ داؤه الإرهابُ
وجراح الشعوب تنزف حتى
يرتوي من نجيعها نصّاب
من بقايا حربِ البسوسِ رماحٌ
وسيوفٌ ما ضمهنّ قِرابُ
أُمَمٌ بعضُهم يذبّح بعضا
احتسابا، وهل بذاك احتسابُ
فقطيعٌ يقوده طائفيٌّ
وقطيعٌ يقوده كذاب
وفريقٌ تديره (الحورُ) جهلا
وفريقٌ يديره (سِرداب)
يقتلون الحياة في المهد عمدا
ويقولون ربّـنـا التّواب
منذ ألفٍ من السنين ننادي
ما سمعنا سَعْدٌ ولا الحَبّابُ
***
أدركتنا حياتُـنـا يا صديقي
وتلاشى بريقُـهـا المُستَطابُ
ومَشَتْ سنةُ الحياة علينا
وتقاضتْ حقوقَها الأوصابُ
والدروب التي رعتنا شبابا
أنكرتنا، فكلنا أغراب
والغواني اللائي فرشنَ طريقي
بهجةً راعهنّ مني خِضابُ
كسرت كأسِيَ الليالِي وما زال
بكأسِي رغائبٌ وشراب
ولوت كفيَ السنينُ وقلبي
لم يزل فيه للشباب خِطاب
وشغافٌ مازال ينبض فيها
لرؤى الأمس خافقٌ وثّاب
وبقايا أعلّل النفسَ فيها
من رحيق الشبابِ وهو سراب
يا صديقي، ثمالةُ العمر كأسٌ
ليس فيها بقيةٌ تُستطابُ
** **
- د. عبد الرحمن السماعيل