د.شريف بن محمد الأتربي
منذ أطلقت المملكة العربية السعودية رؤيتها 2030 وخطة 2020؛ وجميع الوزارات والأجهزة المعنية تعمل على قدم وساق من أجل تحقيق أهداف هذه الرؤية كل على قدر مسؤوليته، ومن أهم الوزارات المعنية بهذه الخطة وزارة التعليم والتي وضعت نصب عينيها التحول الرقمي كواحد من أهداف الوزارة المنبثق عن الرؤية.
وفي خضم التسارع نحو تحقيق الأهداف حدث لبس في رؤى الكثيرين نحو التعلّم الرقمي في التعليم ظهر جلياً في كثير من النقاشات والحوارات التي قرأتها أو سمعتها أو حتى كنت طرفاً فيها، فهناك من يرى أن أحد أهم أهداف وزارة التعليم هو تحقيق التحول الرقمي في التعليم والذي يعني: التحول في طريقة العمل في المدارس بحيث يقل العمل الرتيب ويزيد وقت التفكير بالتطوير، وهو أيضاً تسريع طريقة العمل اليومية بحيث يتم استغلال تطور التكنولوجيا الكبير الحاصل لخدمة المستفيدين من طلاب ومعلمين وإداريين وأولياء أمور بشكل أسرع وأفضل، وهو أيضاً زيادة الكفاءة في خطط سير العمل بحيث تقل الأخطاء وتزيد الإنتاجية، كما أنه زيادة مشاركة الطلبة والمستفيدين الآخرين في العملية التعليمية.
وقد اتفقت أغلب الأدبيات العلمية حول جودة التعليم بأنها: مجموعة من المعايير والإجراءات والقرارات التي يهدف تنفيذها إلى تحسين البيئة التعليميّة، بحيث تشمل هذه المعايير المؤسسات التعليميّة بأطرها وأشكالها المختلفة، والهيئة التدريسيّة والإداريّة وأحوال الموظفين الذين لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمنظومة التعليميّة.
ومن هذا المنطلق ومن خلال قراءة مفهومي التحول الرقمي وجودة التعليم يمكننا القول إن التحول الرقمي ليس هو الهدف الأساسي من العملية التعليمية بقدر ما هو مدخل لتحقيق جودتها.
فالمعلم الذي كان يقضي ساعات طويلة في التحضير للدرس والبحث عن وسائل تعليمية مناسبة له وآليات للتقويم وتقديم التغذية الراجعة للمتعلمين وللإدارة ولأولياء الأمور أصبح بإمكانه أن يدير هذه المنظومة من خلال مجموعة من الأدوات التي توفر له وقتاً مناسباً لتطوير ذاته والاطلاع على التجارب الحديثة في مهارات التدريس، إلى جانب الاطلاع على أحدث المعلومات في مجال تدريسه، كما أنها تتيح للمعلم وللمتعلمين مساحات زمنية أكبر للتواصل داخل الفصل وخارجه من خلال أدوات النقاش وما يماثلها في أنظمة إدارة التعلّم المتعدِّدة.
إن التحول الرقمي في التعليم بهدف تجويده قد أتاح للمتعلمين فرصاً أكثر للمشاركة في العملية التعليمية وأن يصبحوا أحد أركانها وتحولوا من متلقين إلى أعضاء فاعلين ومؤثّرين، كما أنهم وجودوا أكثر من طريقة للتواصل مع المعلمين بعيداً عن رتابة اليوم الدراسي وضغوط العمل التي يلاقيها المعلم.
إن التحول الرقمي بهدف تجويد التعليم أصبح مفتاحاً للوصول إلى التعليم العميق المبني على استخدام إستراتيجيات تعلّم تعتمد التفكير الناقد والإبداعي والتحليل والتطبيق وغيرها من المهارات التي تعد عاملاً مؤثّراً في مسيرة الطلبة مهنيًا واجتماعيًا في المستقبل وتجعل منهم قادة وليسوا مجرد تروس في عجلة العمل والتنمية.
إن التحول الرقمي في التعليم لا بد أن ينعكس على جودة الخدمات التي تقدم للمستفيدين الآخرين من التعليم سواء إداريًا أو مهنيًا مثل أولياء الأمور وراغبي الحصول على المنح والبعثات فهذه الخدمات ربما ينظر البعض لها على أنها خارج منظومة التعليم ولكنها بالفعل هي جزء منه، بل هي أحد المعايير التي يتم تقييم جودة العمل في المؤسسات بناءً عليها من خلال التغذية الراجعة من هؤلاء المستفيدين.
وأخيرًا إن تبني وزارة التعليم لكثير من المشروعات التي تساهم في تحقيق رؤية القيادة -حفظهم الله- ورؤية المملكة 2030 لا بد أن تكون واضحة وضوح الشمس في أذهان القائمين على التنفيذ الميداني لخطة التحول بحيث تصب كل هذه المشاريع في وعاء الجودة وليس وعاء التحول فقط.