د. خيرية السقاف
تقف «الرياض» أمام الواقع السياسي المضطرب عالميا، والتكتلات المستهدفة الدول العربية، والخليجية كأكبر عاصمة تمسك بزمام الأزمات، وتنافح عن حقوق الجوار، وتبذل لأمنها، وتشارك في الدفاع عنها، فبينما هي في الداخل، تبني، وتسعى، وتؤسس لجذور رؤية تهدف لاستثمارات مقدراتها في أبنية مستدامة، واقتصاد متين، وسلاح مكين، إلى جانب مواكبة متواصلة للحفاظ على توازن القوة، واليقين بالعدالة، والحفاظ على أوشاج العلاقات مع الحلفاء، فيما يضمن الحق الخاص لكل عربي، ومسلم دون المساس به من قبل شرق، أو غرب، ويبقيها الرأس، والملاذ لكل أولئك..
فإنها تعمل على كل الجوانب والاتجاهات بوعي، وروية، وثقة، ففي الداخل على أشده يقوم البناء، والتطوير، والتنمية، وابتكار السبل للاستفادة من منابع الوطن، وخيراته بشرا، وموارد طبيعية،
ومع الجوار فالعاصمة بؤرة العمل الجاد الدؤوب، والقرار النافذ الحكيم، على مستوى العلاقات مع شركاء الدم، والهوية، والعقيدة، ومن هم تحت مظلة هذا وإن بعدت عنهم مسافات الأرض، و لهم تبقى المظلة، والميزان،
في الوقت ذاته تمتد في العلاقات مع الدول الكبرى في العالم بهدف بناء الأواصر، وتعزيز الأهداف، وتمكين المصالح المتبادلة معها، سواء دول الشرق الصناعية، بخبراتها التقنية، والصناعية، والاستثمارية، والطبية، أو دول الغرب حيث مواقع القوة الدفاعية، ومصادر القرار،
وهي في آن تحفظ لحلفائها الود الحكيم..
اليوم روسيا في «الرياض»، و«الرياض» لم تنشغل عن أدوارها الكبرى وهي مكتظة بأبنائها المنغمسين في أعمالهم، والمتقابلين في حواراتهم، والمتبادلين أفكارهم، والذين يدرسون، والذين يحرثون، والذين يبحثون، والذين يصنعون الخبر، والذين يؤدون الأدوار، والذين يواكبون حصاد نتائج المنجزات في قطاعات الوطن، والذين خلف الآلات تحفر، وفوق المركبات تتجه، وعند الأسوار تحمي، وفي المنافذ عيون لا تغمض، وصدور لا تكل خفقاتها، ولا تهدأ نبضاتها،
بل هي مع كل هذا الزخم الداخلي اليوم تصافح على ثراها «روسيا» ضيفتها الكبرى في شخص رئيسها «فلاديمير بوتين»..
وهذه الزيارة لها بعدها السياسي العميق، في حرص «الرياض» على تعدد العلاقات مع الدول الكبرى، وتوطيدها، وتوسيع مساحة التمكين، وتعزيز مصالحها، وكل ما تضطلع به في أدوارها الرئيسة بوصفها أم العالم العربي، والمسلم، وشريكه الرئيس، وملاذه، وصاحبة المواقف، والمبادرات عند حاجاته، ولقضاياه المختلفة....
«روسيا» اليوم تحضر شريكا في المصافحة، عضيدا في التبادل على مستوى التفاعل الحيوي «للرياض»، ضمن منظومة مواقفها السياسية الحكيمة، والدبلوماسية بعيدة النظر،
ولأن «الرياض» دوما تؤسس لشركاء يماثلونها طموحا في التمكين للروابط، والأبعاد المتبادلة..
فالمرحلة هذه مهمة في تاريخ البشرية، حيث تتضافر المطامع، ويتخلى الأقوياء عن الشعوب الضعيفة، وتتجلى مختلف غاياتهم على الأرض، ومصالحهم، وتنسحب البسط من تحت أقدام المنكوبين حيث الصراعات، فإن «الرياض» بحكمتها، وجليَّ مواقفها، وعدل ميزانها تثبت، وتبادر..
ولعل روسيا الضيفة العزيزة اليوم، في أول زيارة لرئيس لها للرياض، ما يعزز العلاقات الوطيدة، ويؤسس لروابط التبادل المثمر، ويمكن الرياض في مركزها، ويجلِّي عن ثقله..