عبدالعزيز السماري
يتردد مصطلح النفاق كثيرًا في الثقافة الإنسانية، فالعديد من السياسيين والوعاظ والفلاسفة يقعون في هذا المطب، وهو أن يعظوا في أمور كثيرة، ثم يخالفوا وعظهم في سلوكهم العام؛ وهو ما يقلل من رمزيتهم، وقد تبدو طبيعة إنسانية مقبولة في أن يخالف الإنسان ما يقول، وقد تعلمنا ذلك من التاريخ، لكنها سمة أصبحت أكثر انكشافًا في عصر الشفافية والإعلام..
فعلى سبيل المثال يحثنا آل غور على تقليل انبعاثات الكربون لدينا، ومع ذلك يطير بانتظام في طائرة خاصة. وفي الشرق العربي تنتشر هذه الظاهرة بشكل واسع، ويسهم في ذلك الخوف، فتجدهم يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون. وقد قيل من خاف سلم، لكن ذلك لا يعني أن تكذب من أجل مبدأ..
تنطوي كثير من الاتهامات المشهورة ضد الشخصيات العامة على نفاق دفين، حين يفشل الفرد في العيش وفقًا للمبادئ التي يسعى إلى فرضها على الآخرين. وكشف حالة النفاق فعال للغاية في القضاء على الصوت الآخر؛ لأن النفاق بمنزلة عرض من أعراض عدم الكفاءة أو عدم الإخلاص أو الكذب المنظم.
لعل الحاضر بقوة في مسألة النفاق في مجتمعاتنا الشرقية هو المزايدة والغلو في طرح أي قضية؛ وهو ما يجعل من كل شيء مزيفًا؛ فالمعارض يقلب الألوان إلى عكسها، ويختلق القصص والحكايا الخيالية من أجل تزكية نفسه، بينما يدرك أنه بذلك يقضي على الموضوعية في العقل. والأصولي يتحدث عن الهلاك القادم إذا عم الفرح في المجتمع ولو قليلاً، بينما هو يدرك أن تاريخنا حافل بكل أشكال الفرح والسرور..
منهم أيضًا أصحاب معلقات المدائح والكذب الإعلامي، وهؤلاء منتشرون في المجتمعات الشرقية، ولا يترددون عن الكذب الصريح من أجل مصالح شخصية، وتجدهم في كل مكان وزمان، وليس لهم حل؛ فهم جزء من الحياة، وينتهون بارتفاع الوعي بأوجه النفاق والكذب.
ما نفتقر إليه في هذا التغيير الكبير هو ارتفاع معدلات الموضوعية، وتعني مراعاة الأسلوب العلمي من قِبل المجتمع، بما في ذلك النقاش والاتفاق على نماذج معينة؛ فإن اتباع نهج موضوعي تجاه قضية ما يعني الاعتبار الواجب للأدلة المعروفة، وإذا تم رفض أو تزييف الأدلة ذات الصلة فمعناها سقوط الأقنعة، وسيكون الفشل مصيره..
ما نعاني منه هو الاحتجاج المبني على أدوات غير موضوعية؛ ولذلك تجدهم يهربون من الأدلة، ويتعلقون بالأقوال وبعض النصوص التي توافق هواهم. وما يحدث الآن هو صراع بين تيارين، وسينتهي بانتصار أحدهما، لكن ستكون الموضوعية هي الخاسر الأول، وربما حان الوقت لمنح الثقافة والبحث العلمي في مختلف الاتجاهات دعمًا غير مسبوق، فإذا انتصر العقل والحكمة ساد السلام في أي مجتمع كان.