د. خيرية السقاف
قِوام المجتمع البشري أناسه بكلية أعدادهم..
نفوسهم التي تشكله, أخلاقهم التي تربطهم, فضائلهم التي توحّدهم, سلوكهم الذي يعبّر عن مكنونهم..
وظاهر وجود الفرد مسلكه المتحرّك في فضاءات هذا الكون ما يحملهم منها فوقه, وما يظلهم منها تحته, ما يمدهم منها بمائه, وما يمدهم منها بهوائه..
حتى أطباق أكلهم, وألوان مشربهم, ومكونات كلامهم, ودلالات لمحاتهم, وإشاراتهم تنضوي تحت كينونة هذا الطحين, لهذه العجينة «المجتمع», الكينونة المكوَّنة من هؤلاء كلهم, بهذا كله, في نسيج يُسمى بهويتهم..
ضمن هذا القِوام, تنصهر مختلف ألوانهم, وأحجامهم, واختلافهم, وتوافقهم..
وفيه لا يظهر واحد إلا ليكون المستثنى بإضافة تزيد, وبمبهر يمد,
ولا يكون الاحتدام إلا عند منابع النهل من القوامات الأصل, للاستفاضة بها في الإضافة إليها، فالتميّز بالتفرّد, أو التميّز بالشبه المستديم لخصائص هذا الكيان..
والأشباه في المجتمع هم الذين يشكِّلون توحّده في تمثيل قوامات أخلاقه, وقيمه, وقناعاته, وحتى الحرص على تقدير اختلافات الذوات المنفردة بتفاصيل ذات سمات, مع انخراطها في التوحّد بالكليات العامة مكوِّنات القِوامات..
وفي المجتمع المثالي, يتبارى الأفراد فيه للاستثناء, بمزيد أفعال لا بنأي عن كيان,
وبالتمتع بخصائص ذوات لكن ضمن عجينة الطحين, أو بحفظ مزايا الأشباه في نسيج العجين..
لذا في حين تحرص المجتمعات المثلى على كياناتها بثبات قِواماتها,
يسعى وبقوة أفرادها للتميّز بالاستثناء فيما ينتجون, ويضيفون, ويبتكرون, وينجزون,
دون المساس بكل تفاصيل الشَّبه في معالم السلوك, ومقاصد الأفعال..
فالذوات في كينونة المجتمعات إما أشباه, أو استثناءات..
والموقن في دوره يسعى للاستثناء, ولكن ضمن نسيج الأشباه..