«الجزيرة» - فهد بن جليد:
أكثر المتفائلين لم يكن يحلم بأن يكون هذا اليوم التاريخي في صناعة الترفيه في السعودية قريبًا إلى هذا الحد. كان ضربًا من خيال، وطيفًا من حلم؛ فبات واقعًا كالشمس المشرقة في كبد السماء بفضل عزيمة الرجال وصدق النوايا.
الترفيه في السعودية ينطبق عليه المثل الحجازي الشهير القائل (جاء يطل غلب الكل) الذي يُقال لمن جاء متأخرًا، فتفوَّق بأقواله وأفعاله على كل مَن سبقوه. صحيح أننا آخر المنضمين للواء ومنصة الترفيه العربية والعالمية, ولكننا بفضل الله أولاً، ثم بفضل إمكاناتنا وقدراتنا وحسن تصرف وخطط المسؤولين عن هذا القطاع الممتدة من رؤية السعودية 2030, بتنا في صدارة المشهد, واستحوذنا على مفاتيحه وأرقامه السرية سريعًا؛ لنقود الحراك الترفيهي، ونرسم المستقبل وفق احتياجنا وظروفنا، وبما يتناسب مع ثقافتنا وطبيعتنا وحاجتنا؛ لنكون مقصدًا لصناع ورواد وأباطرة الترفيه حول العالم قبل أن نكون قِبلة لقاصدي المتعة والبهجة.
في حدود التاسعة من مساء اليوم تشهد الرياض لحظة تاريخية بإطلاق واكتمال عقد فعالياتها الجماهيرية، وفتح الأبواب أمام الزوار والعائلات؛ ليعيشوا الفرحة والمتعة معًا في مختلف الفعاليات العالمية الفريدة التي حضرت للرياض في ليل عرسها؛ ليضيء بهجة وسعادة وأنسًا بمسيرة الترفيه الأولى في المملكة, والأكبر من نوعها في المنطقة. المشهد لا يترقبه السعوديون وحدهم في بوليفارد الرياض على طريق تركي الأول؛ فالعرس يرقبه غيرنا الكثير خارج المملكة ممن اشرأبت أعناقهم لرؤية ما يحدث في السعودية من تطور ترفيهي مذهل وخارق للعادة بشهادة الجميع, فما تحتاج إليه المجتمعات والثقافات والدول من سنين وإجراءات وموافقات وإمكانات لتغيير المفاهيم وإقناع الناس وقبولهم وتفاعلهم -وقبل ذلك تحقيق المعادلة ملموسة على أرض الواقع- لم يحتج السعوديون منه سوى أشهر قليلة من التخطيط, وأيام معدودة من الظهور. وإن جاز للشاعر وصف مشهد الرياض العروس فإنه سيشبه لياليها وأيامها القليلة الماضية من يوم الجمعة حتى البارحة (بليالي الحنا) التي تتزين فيها العروس من الخاصة وحائكي أسرار وصفات الجمال قبل أن تزف في ليلة عرسها الذي من المنتظر أن يشهده خلال سبعين يومًا أكثر من 20 مليون زائر؛ فقد عاش قادة الترفيه والفن والإعلام وصُنّاعه في العالم (منتدى صناعة الترفيه) joyForum19 في تلك الليالي, وعرفوا الرياض ومستقبلها الترفيهي, وذهلوا كيف تمكَّن السعوديون من ذلك بشكل مهني واحترافي, بالاعتماد على أنفسهم بفضل الله، ثم بالدعم اللامحدود من قيادتهم ماديًّا ومعنويًّا وفكريًّا, وحسن التصرف من مسؤوليهم في إتقان المهمة الموكلة إليهم بكل احترافية ودقة, بالمحبة الكبيرة للأرض والإنسان. واليوم سنشعر في ليلة الزفاف الكبرى بأن الترفيه يولد في حياة السعوديين وثقافتهم من جديد كحق مشروع لجودة الحياة وابتهاجها, كما هي نفوس الأجيال السعودية المتعاقبة التي كانت تصارع من أجل اللقمة, ولكنها رغم شظف العيش لا تغفل صنع البسمة والطرفة النقية الصافية في كل وقت، التي امتلأت بها روايتنا التراثية وأخبار السابقين؛ ليتحول (العيار) في ثقافتنا السعودية القديمة إلى صانع بهجة، يعمل بإتقان في صناعة مربحة, وقد أنعم الله علينا بكل هذه القدرات والإمكانات.
لقد نجحت هيئة الترفيه في زرع البهجة والسعادة في قلوب ونفوس السعوديين حتى قبل أن تبدأ فعاليات موسم الرياض, فكيف حازت الهيئة كل هذه الثقة وهي قطاع حكومي في نهاية المطاف؟ وكيف حصد رئيسها المستشار تركي آل الشيخ كل هذا التأييد والمساندة من المجتمع السعودي بأغلب شرائحه؟ واحترام حتى المختلفين مع طريقة إدارته التنفيذية لدفة الترفيه في البلاد؟
إنها معادلة صعبة نادرة الحدوث, اجتمعت فيها حاجة مجتمع, ومشرط خبير, وعشق تحدٍّ بتخطيط ورؤية سديدة, وصدق تنفيذ مع إخلاص وشفافية, وشعبية واسعة لرجل اعتمد على التلقائية في التفاعل والتعامل مع الجماهير بقدومه للترفيه من بوابة الرياضة الأشهر جماهيريًّا عند كل الشعوب؛ ليدلف إلى هذه الصناعة مستعينًا بالله, ومتحزمًا بنخبة من أبناء المملكة المؤهلين, متفرغًا لخدمة الوطن والمواطن، وتنفيذ توجيهات الملك وسمو ولي العهد - حفظهما الله - وتحقيق خطط رؤية المملكة بكل أمانة. هذه العوامل مجتمعة صنعت الفرق, ومهدت الطريق أمام السعوديين ليأخذوا مكانهم الطبيعي على خارطة ترفيه المنطقة والعالم, ويشقوا طريقهم برسم مستقبله؛ فهم اللاعب الأهم والرقم الصعب, بالحضور الأكثر إنفاقًا عليه في مختلف الأقطار. وجاء اليوم الذي يجب أن يجدوا فيه الترفيه واقعًا محليًّا في بلادهم, في شوارعهم, في حواريهم, في مدنهم, في مطاعمهم ومقاهيهم وحدائقهم, بل في كل تفاصيل حياتهم, كصناعة رافدة للاقتصاد الوطني. فرحة السعوديين وبهجتهم لا تقدر بثمن, الخيال بات حقيقة, والواقع بأرقامه وحصاده الأولية مشرف.. عندما حقق موسم الرياض أكبر عائد في الرعايات والشركات المساهمة في تاريخ المملكة بأكثر من 400 ألف مليون ريال؛ ليعكس صدق الرؤية، وصواب خطواتها حتى في أهدافها الحياتية والاجتماعية والاقتصادية القصيرة.
اليوم تعجز الكلمات عن وصف المشهد أو ترجمته ونحن نشاهد الاحتفالات والفعاليات الترفيهية في كل مكان من الرياض. فنحن لم نغازل ترفيه المنطقة فحسب, بل إن القائمين على موسم الرياض جابوا العالم بأكمله؛ ليختصروه في (نخبة النخبة) من الفعاليات الترفيهية الأشهر من أمريكا وأوروبا إلى إفريقيا وآسيا؛ ليجتمع العالم في 200 فعالية, وُزعت على 12 موقعًا, بمساحة 14 مليون متر مربع في الرياض. تلك البهجة تختزل بكل معانيها ومفاهيمها الترفيه في أجمل صوره التي تناسب الأذواق وفئات المجتمع وشرائحه المختلفة كافة. القصة للتو ابتدأت أحداثها, وستتعاقب فصولها حتمًا بما يعود على قطاع الترفيه وصناعته والمشتغلين فيه بالخير الكبير الذي يصب في اقتصاد بلادنا في نهاية المطاف. وحتمًا لن يخالف يومًا ديننا وعاداتنا وثقافتنا وأنظمة بلادنا.
السعودية بهذا الحدث المهم والعالمي تخوض التحدي الأكبر والأضخم بكل نجاح في هذا القطاع؛ فهذا الاهتمام الكبير والواسع عالميًّا بصناعة الترفيه في بلادنا لم يأتِ مصادفة, بل هو نتاج طبيعي لتخطيط صحيح، نجح في جلب الاستثمارات، وإقناع أصحاب رؤوس الأموال بالانضمام لهذا السوق الناشئ نتيجة ثقتهم بالمملكة واقتصادها. فمثل هذه الاستثمارات في الترفيه لا تعتمد على المجاملة بل هي لغة أرقام شديدة الحساسية والتأثر بأي متغيرات؛ وهو ما يعني أن المملكة رغم الظروف المحيطة التي تشهدها المنطقة حققت هذا النجاح، فكيف ستكون عليه الصورة والمشهد في غدنا المشرق مع الترفيه عند اكتمال البنية التحتية لمشاريع الترفيه السعودية الكبرى والعملاقة على مستوى العالم؟ ويكفي أن تتابع ما يُنشر ويُنقل في وسائل الإعلام ومنصات التواصل العالمية من إعجاب بالسعودية التي تدخل الترفيه من أوسع أبوابه متجاوزة محاولات التشويه البائسة خارجيًّا من بعض المحتقنين من هذا التقدم والتفوق السعودي، الذي أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح؛ فالسعوديون كانوا -وما زالوا وسيبقون بإذن الله وتوفيقه- الرقم الصعب والأكثر تأثيرًا في أي مكان أو مضمار يوجَدون فيه.
اليوم نحن سعداء بإطلاق هذه الفعاليات المبهجة والمتنوعة ووجودها بيننا, وسعادتنا أكبر بهذا الحراك والتفاعل المجتمعي والشعبي الكبير في قبول البهجة والسعادة والفرحة والترفيه، وتوطينها كثقافة سعودية، وحاجة إنسانية ترويحية، حث عليها حتى الدين. الترفيه يستحق أن نخصص له مالاً ووقتًا بشكل صريح ضمن ميزانية الأسرة والفرد؛ فهو حاجة قد لا يعلم كثيرون أنهم يخصصون لها مالاً بطرق مختلفة؛ فهناك مَن يمارس الترفيه في الداخل بصور وأشكال متنوعة وفق الظروف والإمكانات المتاحة, وهناك مَن يدفع المال ويقضي الوقت في الترفيه خارج المملكة. واليوم حان الوقت ليستمتع ويبتهج به الجميع في بلادنا ضمن صناعة جديدة، تدعم الإنسان والاقتصاد السعودي.