فيصل خالد الخديدي
في كل مرة تفقد الساحة التشكيلية أحد مبدعيها؛ فهي تفقد شيئًا من وهجها، ويخفت مصباح من مصابيح الإبداع المضيئة في سماء الوطن. ومع كل رحيل تضج مواقع التواصل بصور الفقيد وأعماله، وبعبارات الوجد والعزاء، وكلمات الإطراء وحديث الذكريات عن الراحل وما قدَّم. وتستمر البكائية على الراحلين مع كل فَقْد دونما خطوات إيجابية. ولا يلام في ذلك الفنانون؛ فصلاحياتهم محدودة، وكلٌّ محمول بهمة وتطوير ذاته، والبحث عن مساحة أوسع لإبراز فنه، وحتى إن ملكوا شيئًا من ملكة الحرف أو الإمكانات فلا تتعدى أن تكون مساهماتهم لأصدقائهم الراحلين وفق جهود فردية، محملها الحب والعاطفة والوفاء. وهي وإن كانت جهودًا بسيطة إلا أنها مشكورة ومذكورة.. وهي ميزة في الساحة التشكيلية المحلية التي تحافظ على شيء من الوفاء لمن رحلوا, ولكنها غير كافية، ولا تحقق الوفاء المستحق لمن قدموا وقتهم وجهدهم، وأضاؤوا الطريق لمن بعدهم، ومهّدوا السبل لكل محب للفن. أما المؤسسات الثقافية والفنية المعنية بالفنان التشكيلي فهي بين أمرين، إما مؤسسات هرمة قليلة الإمكانات، مترهلة الأنظمة، لا تستطيع تقديم أبسط سبل الرعاية للمواهب الفنية، فضلاً عن أن تقدم مشاريع تقوم على الوفاء للمبدعين الراحلين وتخلد أعمالهم في متاحف أو معارض دائمة، أو توثق إبداعهم بمؤلفات أو دراسات.. ومؤسسات أخرى شابة، تهتم بالشباب فقط، وأنشطته الوقتية، والعروض الترفيهية الاستعراضية، أكثر من اهتمامها بالتجارب الناضجة والأعمال الإبداعية للأجيال المتعددة من الفنانين، وحفظها وتوثيقها بما يليق بهم وبثقافة أبناء الوطن. وحتى المؤسسات الثقافية الفنية الخاصة فهي عادة ما تخدم توجُّهًا معينًا، أو تقدم خدماتها لمن يعود بالنفع لها في السوق المحلية والعالمية.
أما جهود الأكاديميات والجامعات المحلية في الوفاء للراحلين، وتقديم شيء مما يستحقون، فهي نادرة، ولا تكاد تذكر. فالدراسات عن أجيال الفنانين وقراءة أعمالهم وتحليلها ودراستها بشكل عميق نادرة، وإن وُجدت فهي حبيسة المكتبات الجامعية. وليس للجامعات أي جهود تذكر في مشاريع متحفية تحفظ بين جنباتها شيئًا من أعمال الفنانين الراحلين.
إنَّ حراك المؤسسات الحكومية والخاصة باتجاه الوفاء للفنانين الراحلين إن وُجد فهو يسير ببطء كبير، لا يوازي سرعة الفقد والرحيل لمبدعي الساحة التشكيلية المحلية.