الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تعاليم الدين الإسلامي الحنيف تحث على التآلف والتآخي، وتنهى عن التقاطع والتدابر. وفي كتاب الله الكريم، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، من الشواهد الكثيرة التي تشدد على ذلك.
وكثرت في الآونة الأخيرة في المجالس، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، قلَّة الأمانة بين الناس من نقل للكلام، والزيادة عليه أحيانًا.. وبسببه حدثت المشكلات والقطيعة بين الناس.
ولا شك أن تفشي الكذب والنميمة في المجتمع سلوك مشين، لا يقره عقل ولا دين. وفي المجالس ومواقع التواصل الاجتماعي تنبع مثل هذه التصرفات السيئة؛ وهو ما يطرح التساؤلات حول كيفية تحجيم ذلك، وغرس القيم ومكارم الأخلاق لدى الناشئة والشباب في حفظ أمانة المجالس.
مراعاة الأمانة
يقول الشيخ سعود بن زيد المانع رئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الدلم وخطيب جامع الأمير سلمان بن محمد: الإسلام قد حرص على الاجتماع والألفة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وكونوا عباد الله إخوانا»، وقال أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: «المسلم أخو المسلم»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «أحب لأخيك ما تحب لنفسك»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «المسلم للمسلم كالبنيان، يشد بعضه بعضًا».
وحرَّم كل ما ينافي هذه الأخوَّة أو يُضعفها من قول أو فعل أو كتابة إشارة أو تصريح أو وتلميح يفهم المقصود به؛ فكم من عداوة حصلت، وكم من بيوت هدمت، وكم من قطيعة رحم.. وكل ذلك بسبب نقل الكلام وما يدور في المجالس. ومن أعظم ما شاع في هذا الزمان عدم مراعاة الأمانة في نقل الكلام، وعدم التأدب بآداب المجالس وحقوقها. ومن أبرز ذلك نقل ما يدور في المجالس من الكلام. ويعظم إثم ذلك إذا كان لقصد الإفساد بين اثنين، وهو ما يُعرف شرعًا بالنميمة، وهي من كبائر الذنوب والعياذ بالله.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا حدّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة»، وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «لا يعجبكم من الرجل طنطنته، ولكن من أدى الأمانة وكف عن أعراض الناس فهو الرجل». وحتى لو كان الكلام عن طريق الهاتف فلا يجوز إفشاء سر المتحدث أو فتح مكبر صوت الهاتف وعنده أحد إلا باستئذان من يحادثه قبل ذلك. وهناك مجالس خاصة، علمية أو إدارية، أو غيرها مما يتعلق بالعمل، يُختار أعضاؤها؛ فلا يجوز لأي أحد منهم إفشاء سر ما يدور فيها؛ فإن ذلك خيانة من جهتين: إفشاء سر المجلس، وإفشاء سر العمل. قال الحسن البصري -رحمه الله-: «إن من الخيانة أن تحدِّث بسر أخيك».
عين الأخبار
ويبيِّن الدكتور سليمان بن صالح القرعاوي أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل سابقًا أن الإسلام دين شامل للعقيدة والتشريع والسلوك.. وقد أكد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أهمية السلوك؛ فخاطب الصحابة - رضي الله عنهم - بقوله: «أتدرون مَن المفلس؟»، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار. فقال -عليه الصلاة والسلام-: «المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وسفك دم هذا؛ فيؤخذ من حسناته، فإن فنيت حسناته أُخذت من سيئاتهم، ثم طُرحت عليه؛ فطُرح في النار». فهذا الحديث باب عظيم في توخي الحذر مما يدور في المجالس التي هي عين الأخبار، ونقلها دون تمحيص، بل تُنقل -إن كان هناك ضرورة لذلك- على عواهنها. ولا أدل على ذلك من إرشاد الرسول -عليه الصلاة والسلام- للمسلم قبل مغادرة المجلس من الالتزام بكفارته؛ حتى لا يحسب على الإنسان المحاسبة والتسجيل في رصيده. وقيل: الأمانات في المجالس.. بل أكد القرآن الكريم ضرورة توخي الحذر من الظن السيئ؛ لما يؤول ذلك إلى الاقتتال والمقاطعة بين الناس. ومن الحرص والتحذير أن الله تعالى أنزل سورة قرآنية، تسمى سورة الأخلاق أو الآداب؛ لما تضمنته السورة من الآداب العظيمة الداعية للالتزام بحُسن المعاملة من الإنسان لأخيه الإنسان. ولعل خلق الأمانة مطلب قوي، يعزز عدم إفشاء الأسرار، وقد اعتُبر البوح بالسر ينافي خلق الأمانة.