صيغة الشمري
ربما هي ليست ظاهرة محيرة كما أراها وربما يراها آخرون بأنها تافهة ولا تستحق النقاش أو الاهتمام بها، لكنها بالنسبة لي معضلة ذات قلق وتحتاج إلى تحليل ووضع حلول نهائية لها، لأنها تعبِّر عن نقص كبير في الفكر المجتمعي الذي يجب عليه أن يتميز بالأخلاق الإنسانية المبنية على الوفاء وتكريم أبنائه من المبدعين والمتفردين في كل المجالات، لأن ذلك سيعود بالنفع بشكل مباشر على المجتمع نفسه. الجحود الذي تقوم به المجتمعات العربية تجاه أبنائها من المبدعين والعلماء هو ظاهرة محيرة أضرت بالمجتمع نفسه وتسببت بأن يقبع في ذيل قائمة المجتمعات البشرية دون نتاج يُذكر أو قيمة يمكن التباهي بها، قد يكون السبب الأول والأهم هو غياب المؤسسات المدنية التي تحرص على رعاية المنجزات المميزة لأفراد المجتمع ودعم أصحابها وحمايتهم من الإقصاء ومنحهم حقوقهم المادية أو الأدبية أو الفكرية. المجتمعات الغربية عندما انتبهت لهذه النقطة وأثرها على تطور مجتمعاتهم ودولهم بادرت فورًا في سن جوائز ومحافل تكريم وتصنيفات ذات أساس علمي لكل علم، حتى جميع أنواع الرياضة وضعوا لها تصنيفًا لحماية المبدعين من التشويش على إبداعهم من قبل تيار المُهمشين الذين مهمتهم تهميش أي إنجاز والتقليل من شأن أي تميز مهما كانت أهميته وأثره على تطوير البشرية. للأسف في مجتمعاتنا العربية ينزوي المبدع والموهوب والعالم في بيته ولا أحد يسأل عنه أو يحاول مساعدته للخروج من عزلته، بل يُترك حتى يطويه النسيان ويفترسه الإحباط وتضمحل موهبته، وعندما يموت محبطًا ومخذولاً تخرج جيوش من المتنفعين الباحثين عن ركوب مشهد وفاته التي غالبًا ما تحظى بتغطية إعلامية عاجلة الكل يستفيد منها غير المتوفى المكلوم المغبون المحبط الذي بالكاد يمنح يومًا واحدًا لتأبينه ثم يطوى اسمه وكأنه لم يكن. انتبهت المجتمعات العالمية عبر مؤسساتها المدنية لهذا الخلل وعالجته فورًا لتحفيز مبدعيها في كل المجالات. أتمنى أن يشكل لجنة ذات مستوى عالٍ من الوطنية والفكر لحماية مبدعي المجتمع من الموت مبكرًا قبل يومهم. المبدع يحتاج للعناية والاهتمام والتحفيز لضمان استمرار إبداعه، المخترع يعاني والمبدع يعاني والعالم يعاني من كلفة وجهد تحفيز نفسه بنفسه، نحتاج لجهة حقيقية ترعى هؤلاء بهدف وطني وإنساني، مجتمعنا السعودي مليء بالمبدعين في المجالات كافة لكنهم للأسف يموتون قبل يومهم من الإحباط والتهميش وعدم التحفيزوهذه ثروة علمية واقتصادية تهدر ونخسرها جميعًا مع أن حلها بسيط وغير مكلف.