د.محمد بن عبد العزيز الفيصل
تكاد تتفق الرؤى والمفاهيم العامة على أهمية التطوع، وتزداد هذه الأهمية وتتسامى إذا أدركنا أن أحد أهم مرتكزات وأهداف رؤية المملكة العربية السعودية2030؛ هي رفع أعداد المتطوعين من أحد عشر ألفًا إلى مليون متطوع قبل نهاية العام 2030م، وبهذا سيكون لِزاماً على مؤسسات الدولة بشقيها الحكومي والخاص، دعم التطوع وتسهيل السبل إليه، وابتكار البرامج والأساليب والطرق التي تقود إليه وتشجع عليه، وهذا ما دفع شريحة من المؤسسات إلى التركيز على هذا الجانب ودعمه فكُتب لبعضها النجاح في هذا المضمار، ولكن الغريب في الأمر هو عزوف بعض القطاعات الحكومية المعنية بهذا الشأن وكأنه لا يعنيها! وهي مختصة نظامًا بهذا الجانب الاجتماعي الذي يُمثل التطوع قُطبه الرئيس.
لن أتطرق في هذا المقال إلى مسؤولية القطاعات الحكومية عن التّطوع، وعن المهام التي من المفترض أن تقوم بها تجاه هذا السلوك الاجتماعي المُلهم، الذي تتعامل معه بعض هذه القطاعات بأنه هَمٌّ تتمنى الفكاك منه، أو نافلة ليس لوجودها ضرورة! فأضحت الأعمال التطوعية دون توجيه، فاضطربت المفاهيم المتعلقة بها، فلم يعد يدرك المتطوع الأولويات التي ينبغي له أن يقوم بها في هذا المضمار، وعن أي وجهة يتوجب عليه الاتجاه إليها، فأصبحنا أمام فوضى المبادرات التطوعية، التي يقف خلفها نوايا حسنة طيبة إلا أن بوصلتها ضلّت الطريق في بعض المواقف فحاد هذا الجهد الإيجابي إلى مواضع لا تستحقه!
إن مجالات التطوع واسعة ليس لها سقف، ونطاقاته مديدة بامتداد عزم المتطوعين الذي لا يقف عند حد مُعيّن، وكما قال سمو ولي العهد في أكثر من مناسبة عن هِمّة أبناء الوطن بأن طموحها عنان السماء، إلا أن المحزن في هذا الأمر عندما تتجاهل هذه الجهود وطننا فتتجه إلى الخارج دون أن تنظر إلى «الأولويات» التي تُمثل إحدى القواعد الشرعية الراسخة التي تُبنى عليها الكثير من الأحكام؛ وفي هذا السياق يقول رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» رواه مسلم، ومن هنا تتجلى أهمية هذه القاعدة الشرعية في التأطير للعديد من المفاهيم الاجتماعية ومن ضمنها التطوع الذي يجب أن يخضع لقاعدة المبادئ والأولويات؛ فالأقربون أولى بالمعروف، فالزكاة وهي الركن الخامس من أركان الإسلام لا تُصرف إلا للمستحقين داخل بلد المُزكّي، ولا تذهب للخارج إلا في حال عدم وجود الحاجة إليها في الداخل، فما بالك بالتطوع الذي هو شكل من أشكال أعمال الخير؛ إذًا فبأي حقٍّ تُرحّل هذه الأعمال إلى خارج أسوار الوطن!
تلفت نظري بين الحين والآخر مبادرات خلاّقة فرسانها أطباء من أبناء الوطن يحزمون حقائبهم وخبراتهم بين الحين والآخر ليطيروا شرقًا وغربًا فيقدموا خبراتهم الطبية في مختلف المجالات بداية من الاستشارات الطبية وصولاً إلى العمليات الجراحية، وهذه مبادرة إنسانية حسنة ومندوبٌ إليها، ولكن أليس أبناء الوطن أحق وأولى بهذه الجهود ولاسيما أن مواعيد المرضى في المستشفيات بالأشهر! أما العمليات فقوائم انتظارها تتجاوز العام والعامين! والشواهد على ذلك كثيرة لا حصر لها، فهل يُعقل أن يُترك من يحتاج العلاج في الداخل ليُقدّم عليه مريض في الخارج؟!
ستكون هذه المبادرات الإنسانية جميلة ومؤثرة لو لم تكن هناك حاجةٌ ماسة إلى العلاج في الداخل، ولا سيما أن بعض هذه المبادرات خارج إطار المظلات الحكومية المعنية بهذا الأمر مثل: مركز الملك سلمان للأعمال الإغاثية، ووزارة الصحة التي يبذل وزيرها معالي الدكتور: توفيق الربيعة جهودًا متعاقبة في الميدان الصحي الذي لا يمكن أن تنتهي مشاكله إلا بانتهاء قوائم انتظار المرضى الذين أنهكهم المرض ويبحثون عن العلاج وبالذات ممن ليس لديهم القدرة على دفع تكاليف المستشفيات الخاصة، إذًا فما هو الحل لهذه العثرة الكبرى التي تحول دون تطور القطاع الصحي؟ الحل يكمن في «التطوع»، فلا يمكن أن تنفك هذه المعضلة التي تؤرق المرضى والوزارة ومؤسسات القطاع الصحي إلا عبر تعاون الأطباء مع الوزارة؛ فأطباؤنا على درجة من الوعي والكفاية والأهلية وأنا على يقين أنه لو طُلب منهم التطوع من أجل تقليص قوائم انتظار المرضى في المشافي لبادروا إلى ذلك دون تردد؛ إذًا فهي دعوة إلى الوزير الجاد توفيق الربيعة لعله يعلق الجرس في هذا الميدان فتكون مبادرته لبنةً وقاعدة لكل القطاعات الحكومية والخاصة من أجل التأطير للعمل التطوعي في مختلف الميادين التي تخدم الوطن أولاً.