عمر إبراهيم الرشيد
لم تكن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمملكة قبل أيام مجرد زيارة رسمية وبروتوكولات؛ فهي بما تعنيه من ترسيخ للدور الروسي عالميًّا، وفي الشرق الأوسط تحديدًا، جاءت بما نتج عنها من اتفاقيات اقتصادية بين البلدين؛ لتؤكد توازن سياسة المملكة واستشرافها الدور الروسي المطرد على الساحة الدولية. ومن المعلوم أنه لا سياسة بلا اقتصاد، ولا اقتصاد بلا سياسة، كما هي القاعدة في العلاقات الدولية؛ لذلك فإن تدشين أول فرع دولي للصندوق السيادي الروسي خارج روسيا في المملكة يعطي دلالة على تدشين مرحلة استراتيجية، لم تكن بهذه الصورة في علاقات البلدين من قبل. ومعلوم كذلك أن روسيا (الاتحاد السوفييتي سابقًا) هي أول من اعترف بالمملكة بعد توحيدها على يد المؤسس - رحمه الله تعالى -.
وإلى جانب دخول الصندوق السيادي الروسي السوق والاقتصاد السعودي؛ وذلك للاستثمار في المشاريع التنموية السعودية، فإن المشاريع النوعية في البنية التحتية والزراعة والتقنية والصحة وغيرها من المجالات الحيوية من كلا الجانبين يؤكد هذا التحوُّل الاستراتيجي في علاقات البلدين، ويؤكد - كما قلت - مُضي القيادة السعودية في سياسة التوازن الخارجية على أسس اقتصادية وسياسية راسخة. وليس خافيًا أن الدور الروسي في المنطقة قد بدأ بالتعاظم من جراء تراجع الدور الأمريكي نتيجة إفساحها المجال للتوغل الفارسي بدءًا من العراق بعد الاحتلال الأمريكي له عام 2003م، ومن ثم سوريا، حتى دعمت ميليشياتها في لبنان واليمن؛ لنرى عربدتها في المحيط العربي، وهو ما وقفت له المملكة في اليمن لصد محاولتها الالتفاف من الخلف، واحتلال اليمن عن طريق الحوثيين.
يطلق على فلاديمير بوتين لقب القيصر نظير دهائه السياسي، وشخصيته القيادية بعد أن أحكم القبضة الأمنية على روسيا، ووقف بالمرصاد للمافيا الروسية، وأعاد للدولة نفوذها الاقتصادي والسياسي في عدد من الجمهوريات السوفييتية السابقة. ودلالة صلابة هذا الرئيس وقوفه ضد محاولات المعسكر الغربي، وعلى رأسه أمريكا، لانتهاز أي فرصة سانحة للنَّيل من بلاده سياسيًّا واقتصاديًّا.
ولا يعني حديثي هنا أن التدخل الروسي في سوريا كان تدخل الفرسان، أو أنقذ شعبها من الموت والتشرد، والبلاد من الدمار، وإنما أنقذ نظام بشار في الحقيقة.
وهذا الأسبوع ستُعقد القمة الروسية - الإفريقية، وهي تأكيد أيضًا لعودة روسيا القيصرية إن صح التعبير.
وللحديث بقية. طبتم، وإلى اللقاء إن شاء الله تعالى.