عبدالوهاب الفايز
حتى إعداد هذا المقال.. ما زال زحف اللبنانيين من جميع الطوائف ومن كل الأعمار إلى الشوارع مستمراً ويقدِّم صوراً حيَّة للنضال السلمي الذي تجلَّت فيه مشاهد صادمة وصادقة، صادمة لحزب الله وحلفائه من قيادات الموارنة الذين حذَّروا من التدخل العنيف لفض المظاهرات، وصادقة في التعبير عن حجم المأساة التي تواجه لبنان بعد أن سلَّم بلاده إلى حكومة حسن نصرالله، وهذه هي النتيجة: انهيار اقتصادي، وحياة مُهينة ومُذلة لكرامات الناس، وتمت مصادرة عُروبة لبنان، كما صُودرت عروبة العراق.
سيدة لبنانيه متقدِّمة في العمر وكبيرة في الحكمة والشجاعة، خرجت في مقطع فيديو وكأنها تقدِّم في المسرح المفتوح ما يعبِّر عمَّا في خواطر الطبقة المسحوقة التي تريد أن تعيش بسلام.
هكذا تحدثت السيدة الوقورة. قالت وجمع من الناس يلتف حولها عند نقطة عسكريه تحرس مبنى حكومياً: (حنا بدنا كل شيء يتحرّر منهم) تقصد الطبقة السياسية. ثم أرادت أن تفجّر مرارة بعبارة قاسيه، غير مقبولة في مكان عام، ولكن الشباب حولها، شجعوها: قوليها، يا حاجه قوليها، ثم ضحكوا جميعاً. بعدها وقفت تستجمع قواها لتتجاوز اعتبارات العمر، ثم قالتها ملوحة بيدها في الهواء: كلهم كـ.........!، وضحكوا جميعاً، وحتى العسكر ابتسموا.
ثم هدأت، وبدا على ملامحها الأسى، ثم تابعت متجهة إلى الجنود الشباب، وهي تردد: بدنا نفوت عليهم، وإذا يؤوسونا يؤوسونا، [يطلقوا النار علينا]، وقالت للجنود: إذا أنتم فعلاً لبنانية ليش ساكتين؟ هؤلاء المسؤولون جوعوكم، أنتم سوف تسيروا للتقاعد، من يعطيكم مصاري، سعد الحريري ولا نصر الله، هدولا ينهبوكم، وإسرائيل مافيكم تطلقوا عليها رصاصة، لكن فيكم تطلقوها على الشعب أوقات، ممنوع تطلقوا طلقة على إسرائيل، هذه عدوتنا. ثم تدخل أحد الحضور مخاطباً أحد الجنود، أبو عيون حلوة كما وصفته الحاجة، قائلاً: الحاجه تحبك مثل والدتك، وستك! ثم عادت الحاجة لتحسم أمر النوايا، فقالت: أنا ستك وست ستك، خلاص يا ابني اوعوا، اوعوا[اصحوا]، كم يعطوكم، ليش ساكتين، كم يعطوكم. إنتوا حتصيروا ع التقاعد، فيه حدا منهم يعطيكم مصاري، نصرالله، ولا سعد الحريري ولا باسيل الحرامي، ما فيه، هدولا عم ينهبوكم.. اصحوا، كل أولادنا صاروا برا، وهدولا بينهبوكم، نبيه بري وسعد الحريري ونصرالله، وعون بده (حف.........)، ثم تعالت الضحكات! واستمرت تخاطب الجنود: أنتم لازم تحكموا البلد بها الوقت، كلنا معكم، تخافوا من نصرالله. خليهم يقتلونا، مش قليلة نموت فدا أرضنا، روح شوف الشعب الفلسطيني، لأجل شجرة زيتونة بيموتوا، وحنا عندنا أرض ووطن، وإذا ما عندك أرض ما عندك وطن.).
وهنا انتهى الفصل المسرحي الشعبي المفتوح بقبلة على رأس السيدة من الجندي، ثم انتهى المشهد الوطني برقصة فرح، أو رقصة حلم!)
هذا هو الصوت الشعبي العروبي الذي يؤذي إيران ويضع البداية الحقيقية لإنهاء مشاريع احتلالها للسيادة الوطنية في لبنان، كما بدأ ينتهي في العراق، وهذه السيدة تقدِّم صورة مشرِّفة في الشجاعة لأجل كرامة بلادها، بينما مع الأسف تندس الطبقة السياسية المتصالحة المتآمرة والمتاجرة بعروبة لبنان تحت ظلال سيوف عملاء إيران، الظاهرة والباطنة. هذه السيدة هناك مثلها العشرات من سيدات العراق ورجاله الذين خرجوا لمواجهة المحتل الإيراني.
الأجمل في المشهدين، العراقي واللبناني، أن الأغلبية خرجت بصوت واحد وبهدف واحد. لقد اختفى من المشهد المشروع الطائفي، وهذه صحوة ضمير واستفاقة وعي مُغيَّب. الشعوب المحتلة انتهت بلادها إلى مأساة، فقد استخدمت إيران الدماء والأموال العربية، راهنت واستثمرت بالعملاء والخونة لبلادهم، ومع الأسف أنها حققت المكاسب الكبرى بأقل تكلفة في مشروعها. وهذه هي الحقيقة التي تصحو الأجيال الجديدة عليها. استخدمت النخبة في العراق ولبنان المشروع الصفوي لسرقة البلاد والعباد، وهذه النتيجة، كما تفعل، بكل الألم، النخبة في اليمن!
في عصر الانفتاح الإعلامي والتواصلي الكوني، لا يمكن للحكومات الفاشلة، كما هو الحال في لبنان، أن تستمر في خداع الجياع من الناس، ولن تستطيع أن تواصل مصادرة كرامة الناس وإذلالهم وتخويفهم، كما يفعل حزب الله المهيمن على الحكومة.
كما قالت السيده، إذا الفلسطيني يموت لأجل يُبقي شجرة زيتون في أرضه، هل كثير على اللبنانيين أن يُضحوا لأجل أرض ووطن، إنها على حق.. اللبنانيون خرجوا ليستعيدوا استقلال بلادهم، وسوف يولد لبنان بتاريخ استقلال جديد، لعل وعسى!