سمر المقرن
ما الذي يجعل شجرة الحب بعد الزواج تنمو وتزدهر وتصبح شجرة وارفة الأظلال؟ وما الذي يجعلها تُقتلع من جذورها وتصبح قلوب الأزواج ككواكب ضلت أفلاكها كل يسبح في مدار آخر؟ عندئذ نسمع آهات المتزوجين وأنات شركاء الحياة، وتصبح الأماني أحلى وأجمل من تحقيقها، ويعيش الطرفان أحاسيس مزيفة كصناع الأحاسيس النادبات والمهرجين، عندئذ وللأسف نسمع أصوات مشاكل الحياة الزوجية من على بعد كيلومترات كزئير الأسد، ويستعير الزوجين صفة نبات النرجس الذي يقتل أي نبات ينمو بجواره! فالحياة الزوجية مسؤولية حافلة بالأعباء التي قد تنوء من حملها الجبال، وكاذب من يرى أنها كلها عيون وهمس وسعادة، ربما لأن عاطفة الحب العمياء قبل الزواج قد رأت زيفا وزورا الجانب الوردي من العلاقة المستقبلية للزوجين، متجاهلة أن لهما مطالب عديدة أهمها التفاهم والاحترام والتعاون وتناصف المسئوليات بمودة ورحمة كما وصفها القرآن الكريم، ونعت علاقة الزوجين بأن بينهما ميثاقا غليظاً وهي صفة لم تُطلق حتى على علاقة إيمان العبد بربه تكريما لها.
والله ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، وشجرة الحب بعد الزواج تحتاج الصبر على متاعب الحياة وسلبيات الطرف الآخر، وألا يتبخر الحب في أجواء الخلافات الزوجية. وقد قال الكاتب العالمي «غاري تشابمان» في كتابه لغات الحب الخمس الذي وزع ملايين النسخ حول العالم، وأنقذ آلاف الزيجات من الفشل عن الحياة الزوجية أن هناك أشياء تُغذي شجرة الحب الزوجية وهي كلمات التشجيع بين الطرفين وتكريس الوقت بينهما وتبادل الهدايا والأعمال الخدمية، فعندما تطهو المرأة لزوجها الطعام مثلا فهي بانتظار الرد العملي وعدم التجاهل، وعلى الطرفين التخلي عن العند والتضحية المتبادلة من أجل الآخر وإلا تحولت الحياة لجحيم، وأخيرا أشار الكاتب لأهمية الاتصال الحسي الذي يدعم حب الحياة الزوجية.
وعلينا أن نفرق بين الحب الحقيقي المُدعّم بالعقل وبين الوقوع في الحب الذي لا يعدو انجذابا للطرف الآخر ولا يعدو كونه نزوة عابرة تصطدم بصخرة الزواج الصلبة، كمن ظن القمر جميلا وما أن رآه فوجئ بأنه صخور وأحجار. ولتنجح الحياة الزوجية يجب أن يكون هناك لغة خاصة جدا بين الزوجين فيعرف كل منهما ما يُرضي الطرف الآخر ويفعله حتى لا يموت الحب إكلينيكيا فيصبح مقضيا عليه لا ريب، ولا ينجو من أعاصيره إلا أنواع مختلفة من الحب منها حب التعود بمعرفة ما يحبه الآخر وما لا يحبه والحب المبني على الحقائق وليس العواطف المزيفة فقط والابتعاد عن حب الأنانية أو الامتلاك لتنمو شجرة الحب وتثمر أطيب الثمر حتى آخر العمر.