د. محمد عبدالله العوين
هكذا وصلت الحالة (المعيشية) بالشعب اللبناني إلى الشوارع في بيروت وصيدا وصور والنبطية، وحتى في بنت جبيل بالضاحية الجنوبية معقل (حزب الله) وسرداب حسن نصر الله.
وصل الأمر إلى المساس بلقمة الطبيب والمهندس وأستاذ الجامعة عماد الطبقة الوسطى؛ فما بالك بالعمال والعاطلين والطبقات الدنيا من المجتمع اللبناني الذي يعاني من سوء الأوضاع الاقتصادية وتأزمها وركود الحركة التجارية وتوقف السياحة وهجرة اللبنانيين إلى الخارج؛ وبخاصة من يمتلكون كفاءات مميزة، وإقحام لبنان في معارك طائفية خاسرة في لبنان واليمن وعودة مئات ممن زج بهم (حزب الله) إلى مناطق الصراع والفوضى نعوشا محمولة على الأكتاف وسط ضجيج نفسي هائل محفوف بتذمر وغضب من تسلط الحزب على القرار السياسي والحربي في دولة مختطفة، ثم هيمنة شعور سلبي مخيم على لبنان باستمرار وتعقد هذه الحالة الصعبة التي لا يرى في الأفق بارقة أمل لتخفيف وطأتها على المواطن اللبناني.
لقد سعت إيران الخمينية منذ قفز ولاية الفقيه على السلطة مدعوما من الغرب إلى تكوين ميليشيات وأحزاب في دول عربية عدة؛ في لبنان (حزب الله) 1982م، في العراق دعم الخميني حزب (الدعوة) الذي كان منطلق حركة الخميني، دعمه بعد أن توج مرشدا أعلى في إيران 1979م بالمال والسلاح ورسم خطط العمل القادمة لاحتلال العراق، ثم تكوين مليشيات الحشد الشعبي بعد سقوط نظام صدام نتيجة الاحتلال الأمريكي، وفي اليمن حركة (أنصار الله) الحوثية 1992م، وفي البحرين (جمعية الوفاق الوطني الإسلامية) 2001م، وعمقت إيران لقاءها الفكري بجماعة (الإخوان المسلمين) فترجمت أبرز كتب منظريها؛ كأبي أعلى المودودي وسيد قطب وغيرهما إلى اللغة الفارسية وروجت للجماعة بوسائل إعلامية مختلفة، واحتضنت فروعها المتعددة في الوطن العربي وخارجه، كما فعلت مع حركة (حماس).
لم يكن مجيء (الخميني) محمولا على أكف الراحة بطائرة فرنسية بعد حماية ورعاية سنوات عدة في منفاه الباريسي إلا لأداء دور محدد المعالم، وهو ما تم تنفيذه بصورة تدريجية أحيانا وبطريقة متعجلة في أحايين أخرى حسب المناسب ضمن ما قدمه المفكر الصهيوني (برنارد لويس) في دراساته واستشارته للكونجرس الأمريكي ووافق عليه عام 1983م.
كان المخطط حسب برنارد لويس إحداث تغيير ديموغرافي في الخارطة العربية بتقسيمها على أسس دينية وطائفية وعرقية وقبائلية ولغوية بأدوات وسياسات مختلفة (سلمية بتكوين أحزاب وجماعات ومؤسسات مجتمع مدني لإحداث ثورات وفوضى وانهيار دول، وحربية بدفع دول في المنطقة إلى حالة حرب مع طرف آخر كما في العراق صدام مع إيران، وكما في اليمن مع الحوثيين).
وكانت آخر خطوة عملية في المخطط التآمري ضمن السلسلة الطويلة التي بدأت أول ما بدأت بسايكس - بيكو 1916م وانتهت ببرنارد لويس 1983م هي ما سمي بـ (الربيع العربي) 2011م وما زالت أحداثه أو ارتداداتها تعصف باليمن وسوريا وليبيا والعراق، ويخشى على لبنان أن يلحق اليوم بالدول الأربع.
**
- يتبع