شريفة الشملان
لنرسم دائرة كبيرة، هذه نحن الدول العربية، داخلها دوائر متشابكة، بعضها صغير تلتصق نقطة المركز بالمحيط وبعضها كبير، لا نتكلم عن أحجية لنعدد الدوائر والأقواس، ولا إلى كم حد سنحصل عليه إنما نحن بصدد التداخل، وهذا التداخل بين جمال في مرات قليلة وبين لهيب مرات كثيرة، بين تلك التفاصيل الصغيرة والأخذ والرد أحيانا غابات نخيل خضراء تتشابك عروقها وغابات زيتون، تنوع وتشتبك طولا وعرضا في دوائرنا، وأحيانا تشابك بشرارات لغو قد يكبر فتنطلق صفارات حروب لا معنى لها.
في دوائرنا عشق وحب وحرب وشياطين تكمن في تفاصيلها وتنعق على حدودها تنثر شرا هنا وهناك، ويدق عطره المنشمي (نسبة لعطر أم منشم).
تشابك دوائرنا نحن من خلقها، لأن هناك شيطان فيما حولنا، يؤججه حقد أحيانا أو سوء فهم. للحوار أذاننا بها صقه. أما لجلجلة السيوف ورقص الحرب فهي تسمع دبيب النمل.
في دوائرنا أغان وأهازيج مشتركة، للحن العدني والمقامات من كل صوب لحن الأندلسي القادم من الشمال الأفريقي إلى أغان مصر والشام حتى اليامال في الخليج العربي تدور ألحان الحب وصوته تتلاقى وتدور، لكن أصوات الحرب تعلو في دوائرنا.
يوحدنا اللحن ولكن تضيق دوائرنا وقبلها قلوبنا بالكلمة عندما يكون بها وهج النار. نريد من يملك حكمة لمنعها.
كم تحتاج دوائرنا لمركز حكماء له الرأي والمشورة. الجامعة العربية هزيلة على سرير الإنعاش منذ زمن البعض يحاول ضخ سبل الحياة فيها ولكن السكتة الدماغية لا حل فيها. لذا هذه الدوائر المتشابكة بحاجة لإعادة نفض الجامعة العربية من جديد وخلق جامعة حقيقية، جامعة تجمع ولا تفرق، ولا ترضى بأي حرب تدور، تصفي القلوب ولا تطفئ شعلة التقدم والعلم والعمل. لا تسمح بتماس الدوائر إلا لخير ومعروف، الحدود بين الدوائر ليست حديدية ولا يجب أن تكون كذلك.
العلم والثقافة سيد العمل العربي، والسودان شعبه مثقف، تحقق له ما أراد وهذا هو القانون يأخذ مجراه. بينما في بعض دول الربيع العربي كانت الخسائر كبيرة، والتخريب لا يضر إلا البلد.
ها نحن الآن تعود الكرة في بعض الدوائر الكبيرة تشتعل فيها المظاهرات بعضها يصل للإعلام العربي والبعض يتعثر. لبنان الصغير يطل، بلد جميل أخضر صغير مظاهراته جميلة ولطيفة والشرطة فعلا في حماية الشعب، لبنان تعلم درساً قوياً وقاسياً من أيام الحرب الأهلية وعرف النكبة القوية. وقرر أن يشق رداء المحاصصة، إنما يفوز من يستحق الفوز من أي ملة كان. لذا خرج لا يحمل غير العلم اللبناني ولا يهمه إلا لبنان هذا البلد الذي علمنا وانتصر للغتنا، الفهارس من العربية للعربية ومن لغات العالم، كتب الشعر والأدب والتراجم. وها هو يقدم جديده، لذوق جديد في المظاهرات ملونة ذات روقان قل مثيله. لقد كان درس الحرب الأهلية درساً استوعبه الآباء فنقلوه للأحفاد، لذا نحن نشاهد المظاهرات بحب ونرى الفنون الجميلة ونسمع الموسيقى واللحن كأنهم تظاهروا من أجل إمتاعنا.
العراق البلد الذي رأى ما لم يره بلد، أول من خط حرف في التاريخ وأول من فتح مدارس. بلد كانت الأمية به صفر حتى الاحتلال والغزو الأمريكي الذي قلب موازينه جميعها.
التجربة المرة العراقية تجربة الطائفية التي ذاتها تثور عليها لبنان. الدين لله والوطن للجميع. لكن الوطن العراقي دارت عليه دائرة عظمى، وأسس الاحتلال للطائفية، فسلم لمن جاء معه على ظهر دبابة ثم مضى وترك العراق يشتعل.
طائفية المحتل وسرّاقه هي من يثور اليوم العراق وهي من يطالب بأن الحكم للأكفأ لا للأفسد.
تحت عنوان (نريد وطن) يخرج العراقيون مسالمين ولكن لم يرحمهم الجلاوزة القادمون من خلف الحدود. ولا من حسبوا عراقيين وهم غير ذلك. كلنا نذكر حرق وزارة ومديريات الأحوال المدنية بداية الغزو. وكان الحرق مدبراً لتضاف أسماء لا تنطق بالعربية.
غدا (الجمعة) يتداعى شباب العراق ومثقفوها لمظاهرة سلمية تطالب بعودة العراق للعراقيين. واللهم احفظهم وارزقهم شرطة بخدمة الشعب لا شرطة يغسلون أقدام الفرس القادمين لزيارة الأربعين. قسما هؤلاء الذين يتاجرون بالحسين (رضي الله عنه وأرضاه) لو ظهر لكانوا أول من يقتله.
والدوائر تتشابك تنفتح تارات وتغلق تارات أخرى واللهم يا رب كل شيء افتح دوائرنا على بعض بسلم وحب ونماء.
اللهم لا تجعل دائرة تدور علينا..
وسلامة الجميع.