(تصوير - أنس السبيحي):
تمثل مواقع التراث العمراني التي تزخر بها مناطق المملكة، إضافة إلى قيمتها الوطنية والتاريخية، مجالاً واعدًا للاستثمار والتنمية الاقتصادية، وتوفير فرص العمل.
فالكثير من القرى والأحياء التراثية والمباني والقلاع التاريخية تشكِّل بعد تهيئتها وترميمها مشاريع جاهزة لقرى سياحية وفنادق تراثية، يُتوقع أن تستقطب المستثمرين والزوار، وتحقق الآلاف من فرص العمل.
فكيف يرى المختصون في التراث العمراني والاقتصاد أهمية ومستقبل الاستثمار في المواقع التراثية؟
نقلة في مجال التراث العمراني
يرى الدكتور مشاري بن عبد الله النعيم الكاتب والمتخصص في التراث العمراني أن مواقع التراث العمراني في العديد من الدول المتقدمة، خاصة في أوروبا، تمثل مشاريع جاهزة للاستثمار الناجح؛ إذ تشكل عامل جذب للسائح الذي يتوق لزيارة الموقع التاريخي، والتعرف عليه، والعيش فيه.
وأكد أن مناطق المملكة تشهد في الوقت الحاضر نقلة استثمارية في مجال التراث العمراني؛ وهو ما يبشر بنجاح هذه المشاريع.. مستشهدًا بمشاريع تطوير القرى التراثية التي تنفَّذ حاليًا في عدد من مناطق المملكة، ومشاريع أواسط المدن التاريخية، ومشاريع الفنادق التراثية.
ويضيف بأن هيئة السياحة والتراث الوطني ووزارة الشؤون البلدية والقروية قطعتا شوطًا كبيرًا في إقناع الجهات المالية في الدولة بدعم المحافظة على التراث العمراني، وخصوصًا بعد أن تبين لهذه الجهات الجدوى الاقتصادية الكبيرة التي يمكن أن تجنيها الاقتصادات المحلية من تشغيل هذه المواقع التي ستوفر وظائف مباشرة وغير مباشرة، وستسهم بشكل فاعل في التخفيف من نسبة البطالة.
التراث مهيأ لجذب الاستثمار
ويؤكد الكاتب والخبير الاقتصادي فضل البوعينين أن مناطق التراث العمراني تعد من أهم عوامل الجذب السياحي، وأن هناك تطورًا ملحوظًا في إقبال السعوديين على زيارتها.
ويضيف: هناك اختلاف ما في ثقافة الشعوب حول أهمية وقيمة التراث؛ ففي الغرب وبعض الدول العربية ترتفع القيمة المعنوية والمادية والاقتصادية للتراث؛ إذ تجسد المواقع التراثية أساسًا للجذب السياحي؛ وبالتالي الاستثمار والانتعاش الاقتصادي، بينما يقل ذلك لدى السائح السعودي، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية بدأت تتغير هذه الثقافة مع زيادة الطلب على زيارة المواقع التراثية. فقبل عشر سنوات مثلاً كان أغلب السعوديين لا يبذلون أي جهد لزيارة المناطق التراثية، ولكن حدث تغير في ذلك؛ ربما بسبب التركيز الإعلامي على التعريف بأهمية المناطق التراثية. ومع مرور الوقت ستنتشر تلك الثقافة من الكبار إلى الصغار.
وشدد البوعينين على أن «المملكة لا تعاني من ندرة المواقع التراثية، ولكنها تعاني بالفعل من قلة التطوير ونقص الخدمات بتلك المواقع؛ وهو ما يساعد السائح على الجمع بين الثقافة والسياحة والمتعة في مكان واحد».
تنمية المجتمعات المحلية
ومن جهته، يرى الدكتور سالم باعجاجة الخبير الاقتصادي أن المردود الاقتصادي الذي ينتج من الاستثمار في المواقع التراثية والأثرية، وتأثيره الإيجابي على المجتمعات المحلية وعلى الاقتصاد الوطني بوجه عام، يجعلنا نطالب هيئة السياحة وأمانات المناطق بمضاعفة مشاريع التنمية والتطوير والتأهيل للمواقع التراثية والأثرية الكثيرة الموجودة على أرض المملكة، وتوفير الخدمات السياحية المناسبة من مواصلات واتصالات وإقامة، وخدمات ترفيهية، وغير ذلك من أساسيات النشاط السياحي التي تضمن الاستفادة من تلك المواقع، وتحقيق مداخيل من خلال فرض رسوم للزيارة، تستخدم في التطوير والتأهيل بشكل مستمر كما هو معمول به في الكثير من دول العالم.
ويؤكد الدكتور باعجاجة أن المواقع التراثية بطبيعتها مواقع جاذبة للزوار، وتأهيلها للزيارة سيضعها على جدول السائح السعودي والمقيم، ويوفر المزيد من الفرص الوظيفية للشباب العاطلين عن العمل بالمناطق التي تتبع لها تلك المواقع حتى وإن كانت وظائف مؤقتة.
الاستثمار بالتراث يولِّد منافع اقتصادية فورية
وكانت دراسة حديثة بعنوان «تقييم الأثر الاقتصادي للتراث الحضاري في المملكة العربية السعودية»، أنجزتها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمشاركة خبراء من البنك الدولي ومنظمة السياحة العالمية، قد أكدت أن الاستثمار في التراث الوطني له أثر اقتصادي إيجابي كبير، من حيث الإسهام في زيادة وتنويع مصادر الدخل الوطني، وتوفير فرص العمل للمواطنين على مستوى الموقع والمنطقة.
وأوضحت الدراسة أن الاستثمار بالتراث الثقافي يولّد منافع اقتصادية فورية وقصيرة الأمد، تشمل زيادة الوظائف والدخل مباشرة من ترميم المواقع، وتجديد المناطق الحضرية المتعثرة على المدى الطويل؛ وهو ما يؤكد الآثار الإيجابية الناتجة من استثمارات التراث الثقافي.
وقدرت الدراسة فرص العمل التي تولدت عن أنشطة الزوار في مواقع التراث الثقافي والأنشطة التجارية المحيطة بها بـ(112) ألف وظيفة.
وتسهم أعمال ترميم التراث -حسب الدراسة- في توليد ما معدله (18) وظيفة، ودخل عمالة قدره (460) ألف ريال، وذلك لكل مليون ريال تم استثماره. وتسهم أعمال الترميم في أنشطة التراث الثقافي التي أنتجت بطريقة مباشرة بـ(13.5) مليار ريال في الإنفاق الإجمالي في مواقع التراث، إضافة إلى ما مقداره (111.632) وظيفة ضمن وحول مواقع التراث في المملكة.
وبإضافة الإنفاق غير المباشر فإن الإنفاق الكلي (المحلي والوافد) الناتج من السياحة الثقافية يمكن أن يصل لما مقداره (15.1) مليار دولار أمريكي (11.5 مليار دولار للمحلي، و3.6 مليار دولار للوافد).
ومن المواقع التي أجرت الدراسة فيها بحوثًا ميدانية حي البجيري في الدرعية التاريخية. وأوضحت الدراسة أن العوائد اليومية في نهاية عطلة الأسبوع للحي التجاري بلغت نحو (390) ألف ريال، و(3.1) مليون ريال في الشهر، ويدعم الحي توظيف (41) مواطنًا.