سمر المقرن
أكتب وأنا لا أكاد ألملم شتات نفسي، بعد فترة عصيبة عشتها في لبنان التي زرتها في مهمة عمل لتصوير حلقتين لكلام نواعم، أكاد أحتضن طير الوروار، وأعانق جبال الأرز، حتى أتت الرياح بما لا تشتهي سفينة العمل بعد اندلاع نيران الاحتجاجات حتى أحسست بغربة موحشة، وصرت كغزالة شاردة في الصحراء تفتش عن ظل ظليل وجدول ماء، وفي لحظة أصبحت أفتقد الأهل والخلان، وأحلم بحضن العودة إلى أغلى ما في الوجود (الوطن).. لم أكن أشعر بأي خوف فالفندق الذي أسكن فيه آمن وزميلاتي وزملائي في قناة إم بي سي كانوا على تواصل دائم واهتمام كبير وحرص لأعود وزميلاتي إلى أوطاننا قبل أن يحصل ما لم يكن في الحسبان وتتعثر المسافات. إنما خوفي كان على أمي وأبي من أن أتسبب عليهما بحمل أثقال الهموم وأنا لا أريد سوى أن أكون مصدراً للسعادة والفرح لهما. كنت أحمل همّ صديقتيَ (هدى) و(غيداء) وهما لم تنقطعا عن التواصل معي طوال الوقت ولم ترقدا إلا بعد أن أقلعت طائرتي إلى الرياض.
كنت وقتها أحلم بابتسامة سلومي وضحكته التي تفتح لي أبواب الدنيا على مصراعيها، وبحضن ست الحبايب التي أخفيت عنها عدم مقدرتي على العودة إلى أرض الوطن بعد أن تقطعّت بي سبل الوصول إلى المطار بسبب الأحداث الجارية وإغلاق الشوارع، وكذبت عليها كذبة بيضاء -بِراً بها- أن تأخري بسبب العمل، ولكن هيهات أن قلب الأم الذي يحوّل الصحراء إلى جنة ويغزل من الآلام بلسماً شافياً هو كالبوصلة التي تستكشف الأشياء مهما بعدت، وقلب الأب الذي ألقي عليه قميص يوسف فأرتد بصيراً يقف معنا صفاً واحداً مهما بعدت المسافات، ليرتد أمني عندما لجأت إلى السفارة السعودية لأجد كل ترحاب وتعاون، فكانت السفارة على قدر المسؤولية وأكثر، فذلّلوا الصعاب ووفروا لنا سبل السفر للعودة إلى بلدنا الحبيب ليظلوا الحصن الحصين للوطن في الخارج وواجهة مُشرِّفة يقودها السفير الرائع وليد بخاري، الذي أرسلني إلى المطار برفقة رجال الأمن اللبناني، وخلفه نساء ورجال من ذهب يسارعون الزمن لنكون بين أحضان الوطن، في ظل تقصير واضح من بعض أجهزة الإعلام التي يجب أن تلقي الضوء على رجالنا الأوفياء بالسفارة وتبرز جهودهم في إعادة أبناء السعودية بهذه السرعة إلى أرض الوطن لينعموا بالأمن والطمأنينة من جديد تحت الراية الخضراء، التي تلقي السكينة في قلوب السعوديين ليعيشوا آمنين.. والحمد لله على نعمة السعودية.