م. خالد إبراهيم الحجي
إن قمم زعماء الدول المختلفة مناسبات تعزز التعاون التجاري والصناعي بين الدول المشاركة فيها؛ وتُحمِّل مجموعات النخب، ورجال الأعمال، والمسؤولين الحكوميين، والوزراء للدول المشاركة مسؤوليات كبيرة، في تنشيط المجالات الراكدة، وإعادة هيكلتها وتفعيلها وتعزيز المجالات المفتوحة وتطويرها، وتذليل الصعاب التي تقف حائلاً أمام فتح أبواب المجالات التجارية والصناعية الأخرى.. وقد قام الرئيس الروسي فلادمير بوتين بدعوة خادم الحرمين الشريفين لزيارة روسيا فاستجاب لدعوته وقام بالزيارة في شهر أكتوبر 2017م. ثم قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بزيارة المملكة العربية السعودية خلال شهر أكتوبر من هذا العام 2019م، رداً على زيارة خادم الحرمين الشريفين السابقة لروسيا.. ولا شك في أهمية الثقل الثقافي والدبلوماسي والسياسي والدولي لكل من خادم الحرمين الشريفين والرئيس بوتن، وأهمية اجتماعهما على منصة دولية واحدة؛ لتفعيل التنسيق السعودي الروسي، والاستفادة منه، واستثماره في مناقشة قضايا المنطقة الشائكة، وحل المشكلات الملحة، بالتفاهمات الدبلوماسية والتسويات السياسية لضمان الاستقرار في المنطقة وإقليم الشرق الأوسط، وتحقيق الأهداف الإستراتيجة للدولتين بما لا يتعارض مع ثوابتهما الوطنية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إنه يوجد رغبة قوية وسعي جاد من كلتا الدولتين في بناء علاقة ترابط دولي وتكامل اقتصادي بينهما.. وبالنسبة للمملكة العربية السعودية يمكن استخلاص أهدافها الإستراتيجية واستنتاجها وتلخيصها في النقاط التالية:
(1) المحافظة على رؤيتها الواقعية الواضحة، ومبادئها الأخلاقية الراسخة، ومواقفها الوطنية الثابتة، ومعاييرها الدبلوماسية الصحيحة، وأهدافها السياسية المعتدلة التي تقوم على احترام سيادة الدول الأخرى ورفض التدخل في شؤون الداخلية لها، التي رسمت سياستها الخارجية ومكانتها العالمية في الهيئات الأممية والمحافل الدولية. وممارسة عزيمتها القوية في معالجة قضايا المنطقة وإقليم الشرق الأوسط.
(2) مواجهة التحدي المحوري في المنطقة وإقليم الشرق الأوسط المضطرب؛ بسبب أعمال إيران العدائية، وزعزعة الاستقرار، وإثارة القلاقل والاضطرابات في بعض الدول العربية، ومنعها من استخدام الصواريخ الباليستية، ونشرها للأسلحة الهجومية التي تهدد حرية الملاحة الدولية والتجارة العالمية في مضيق هرمز، وسد جميع المسارات أمامها للوصول إلى السلاح النووي.
(3) الحاجة الشديدة إلى الشراكات الثنائية والتحالفات الدولية مع الدول المؤثرة وخاصة الدول العظمى الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، ودول حلف الناتو لمواجهة خطر الإرهاب الدولي الذي يهدد استقرار الإقليم، ودول العالم الأخرى من خلال توظيف إستراتيجيات مجتمعة ومتحالفة تتعامل مع ديناميكية التغيير السريعة التي تشهدها دول المنطقة..
ويمكن استخلاص الأهداف الإستراتيجية لروسيا التي ترغب في تحقيقها وتسعى إلى تفعيلها وتنفيذها من خلال تحليل تعليقات وتصريحات الرئيس بوتن أثناء لقاء القمة مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في الرياض وتلخيصها في الاستنتاجات التالية:
(أ) تفعيل الشراكات الثنائية الإستراتيجية، وتقوية العلاقات الدبلوماسية والسياسية وأواصر التعاون المشترك مع المملكة العربية السعودية وزيادة الاستثمارات والتبادل التجاري بين الدولتين الذي ارتفع في العام الماضي ووصل إلى (15) في المئة، بالإضافة إلى التعاون في مجالات النفط والطاقة.
(ب) تعزيز مشاركة روسيا والمحافظة على بقائها مع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) عبر مشاركتها مع أعضاء المنظمة في اتفاقية أوبك زائد واحد (أوبك + روسيا) للمحافظة على توازن العرض والطلب على النفط واستقرار أسعاره في الأسواق العالمية.
(ج) تعزيز نفوذها في إقليم الشرق الأوسط للمحافظة على قوة آرائها، واتجاهاتها الدبلوماسية، ومواقفها السياسية، ومحاولة استعادة مكانتها الدولية السابقة كقوة عظمى لتحقيق التوازن مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ خاصة بعد ظهور التوازن الاقتصادي والدبلوماسي والسياسي الذي وصلت إليه الصين بسبب براعتها التكنولوجية، وقوتها الاقتصادية، وتطورها العسكري الذي وضعها على طريق التحول إلى قوة قطبية عالمية تقارب تأثير الولايات المتحدة الأمريكية في السياسات العالمية.
الخلاصة:
إن قوة العلاقات السعودية - الروسية والترابط الإستراتيجي بينهما يزيد الثقة المتبادلة بين الدولتين في مواجهة الأخطار التي تهدد المنطقة وإقليم الشرق الأوسط.