لآلاف السنين كانت الثروة وما زالت هي سبب الموت بتعدد أسبابه، فالثروة جعلت من مالكها صاحب «العرق الأرقى»؛ وصاحب «الدين والمذهب الأفضل»؛ وصاحب «الفضيلة والرذيلة» و«السماحة والعنف» و«الرحمة والظلم» و«الشفقة والاستبداد» و«الغضب والحلم» وصاحب جميع المتناقضات دون محاسبة.
«ثروة الموت» هذه هي سبب الحروب والإبادة الجماعية والنزاعات والغدر والكذب والمؤامرات وكل الموبقات. صنعت من المنتِج محروماً، ومن اللص مقدساً، ومن الحياة كلها لعبة بيد اللصوص! ولكن لماذا لا تكون الثروة الملعونة تلك سبباً لازدهار كل البشر؟ أو سبباً لرقي كل الأعراق؟...
ولا أقصد هنا نظاما اشتراكيا لم يثبت جدارته في أي مكان وزمان، إنما أقصد النظام الرأسمالي ذاته كما تصوره آدم سمث. فهو من قال: كلما ازدادت «الثروة» الرأسمالية تزدهر معها كل القطاعات الاجتماعية بالضرورة رغم وجود الجشع. أي أن ازدياد الثروة يؤدي إلى ازدياد دخل الفرد والخدمات التعليمية والصحية والبنية التحتية المرتبطة بالفرد المنتج. ولكن سمث لم ينتبه إلى أن الجشع ليس ثابتاً، وأنه يزداد بشاعة كلما ازدادت تلك الثروة المميتة، فالأغنياء يزدادون ثراءً والمنتجين يزدادون فقراً.
الثروة المبنية على اللصوصية والجشع لا يمكنها أن تكون سبباً للازدهار. وستبقى تميت وتسحق الملايين من البشر لخدمة القلة القليلة من مالكيها. ولكن القاتل الحقيقي لثروة الموت هو «ثروة الحياة»، التي بدأت معالمها واضحة في عصرنا هذا! حيث انفردت دول عديدة؛ أولها الصين؛ بوضع الضرائب على ذوي الدخول الضخمة من أجل إدارة الدولة والخدمات الأساسية، دون المساس بذوي الدخل المحدود، أي «استكمال» التطور الرأسمالي ذاته كما تصوره آدم سمث.
النظام الرأسمالي الصيني هذا ليس اختراعاً صينياً، إنما هو جوهر التنظير الرأسمالي الذي وضعه رواد الثورة الفرنسية وفي مقدمتهم آدم سمث. وإذا كان لا بد من تبسيط الأمر، فالفكرة الأساسية هي: إذا كنت مالكاً للثروة وتريد جيشاً يحميك، وموظفين يديرون أعمالك، وبنى تحتية لتنمية ثروتك، فادفع تكاليف ذلك من جيبك أنت ولا تسطو على جيب المنتِج! وبهذا الشكل يبقى المنتج على قيد الحياة، ويتطور تعليمياً وصحياً ويصبح أكثر قدرة على تنمية ثروتك. كما تزداد ثروتك أضعافاً إذا انعكس هذا النهج على تعاملاتك مع الدول الأخرى، فتزداد ثروتك وثروات الآخرين وينتهي التناحر والموت!
بيد أن اللصوص لا يستطيعون التدبير إلا بلصوصية، أي أنهم لا يعيشون إلا بموت الآخرين. ومرحلتنا الحالية هي صراع دموي بين «ثروة الموت» و»ثروة الحياة»! ولا يكتفي الرأسماليون برفض مبدأ «ثروة الحياة»، إنما يشعلون الحروب الاقتصادية والعسكرية لإسقاط منهج «الحياة» هذا، أي أنهم حسب المثل الشعبي القائل «لا أرحمك ولا أريد رحمة الله تنزل عليك!».
** **
- عادل العلي