د. إبراهيم بن محمد الشتوي
ما فتئ الحديث عن البحث عن لغة خاصة بالمرأة أو افتراض ذلك يتردد في الدراسات اللغوية المعنية ببحوث الجندر منذ مقالة فرجينيا وولف عن «غرفة للذات». وقد مر هذا البحث بمراحل طويلة نظر فيها الدارسون في كثير من الزوايا التي تضيء جوانب من هذه القضية.
ومع أن الجملة في أساسها تحيل إلى إمكانية حصول الفتاة في زمنها على غرفة مستقلة في العائلة، فإنها قد أخذت على وجه أبعد مما تدل عليه في سياقها، فحملت على أنها تعني قدرة المرأة على الكتابة المتفردة، وحملت أخرى على أنها تعني أن تكون لغتها مختلفة عن لغة الرجل.
بيد أن هذه الغرفة اللغوية تتجلى أكبر ما تتجلى به في المجلات التي تعنى بشؤون النساء، فتتحدث عن ملابسهن، وزينتهن من عطور وحلية وأصباغ وتلاوين يلون بهن وجوههن وأعينهن وأطراف أجسادهن، وفيها تأتي المرأة موضوعاً خالصاً لا يكاد يخالطه موضوع، واللغة هي المستعملة لبناء عالم للمرأة مستقل متكامل متحدثة عنهن، وما يرغبن به، وكيف يرغبنه.
فالمرأة هي المنطلق في الحديث وهي الغاية، فهو حديث ظاهره توصيف الملابس، أو الحلية والزينة، وحقيقته الكشف عن حالات الشخص الذي يظهر بهذه الملابس والحلية مظهراً حسناً، تتبع إمكانيات الجمال في الإنسان والبحث عما يناسبها، ويجلوها في هذه الملابس والأصباغ والحلية، فهي -اللغة- مفصلة على أقدار المخاطب (المرأة).
وهو (النص) حين يتحدث إليها يكشف الطريقة المثلى التي يتم من خلالها إقناع المرأة، بمعنى المكونات الشخصية ذات البعد المنطقي المعقول لديها، ويتوسل بها لإثبات صحة رأيه، والعناصر الأخرى التي تنجذب في طبيعتها إليها، وترى أنها تستحق أن تتصف بها، وتمثلها.
فهي تسعى إلى التركيز على الوسائل التي عن طريقها يمكن التأثير على المرأة سواء على المستوى العقلي أو النفسي العاطفي، وتبني تركيبها اللغوي، والحجاجي أياً كانت هذه الوسائل، وأياً كان السياق المعرفي أو الاجتماعي الذي تنتمي إليه.
ففي المستوى العقلي الإقناعي تعتمد اللغة على التعليل، الذي يجعل الكلام أكثر موضوعية، وذا أساس علمي مبرر يمكن الاعتماد عليه في بناء المكون التحفيزي، ففي الحديث مثلاً عن طريقة عمل المكياج، نجد الكاتب يعتمد على ما ظاهره يتصل بصحة الجلد، فيبدأ الحديث بالتنظيف، ثم تقشير الخلايا الميتة قبل وضع مادة تعنى بعلاج مشاكل البشرة.
فالإقناع بوضع هذه المادة تطلب ربطها بصحة البشرة بوصفها المعالجة لما أحدثته عملية التنظيف والتقشير، فهي أولاً جزء منها، وثانياً تزيل ما أحدثته من آثار قبل وضع المادة الأخرى المرطبة للبشرة التي تختلف باختلاف زمن وضعها، فالنهار له نوع، والليل حيث الهدوء والأوقات الخاصة له نوعه، ما يوحي بمناسبة هذه الأنواع للأوقات المحددة ومساعدتها بالقيام بما يتطلب منها، وهذا ما يزيد من قيمتها وبيان وعي الموجه لها.
وقد يكون الإقناع عن طريق التأكيد سواء باستعمال المؤكدات اللفظية كالنفي والاستثناء، أو بالتأكيد المعنوي الذي هو دلالة الجملة على أهمية المؤكد بربطه بالشخص المخاطب بجماله ما يعني أنها تسهم في صنع المستوى نفسه من الجمال أو قريباً منه لمن لا تتصف به. يقول الكاتب في الحديث عن أدوات التجميل عن طريق الحديث عن إحدى الشخصيات المشهورة: «إنها لا تحتاج سوى قليل من المكياج لإبراز جمالها الطبيعي».
والتأكيد هنا يأتي من خلال بيان أهمية المكياج لها، فما تتمتع به من جمال (طبيعي) لن يكون له قيمة، فهو لن يظهر إلا من خلال هذه المساحيق والأصباغ، ومع قلتها فهي ذات أثر جوهري في جمالها، ثم إن هذا الجمال الطبيعي الذي تتسم به الشخصية لا يتوافر لكل أحد، ما يعني أنهن لا يحللن محلها بالاستغناء عنه سوى القليل، فإذا كانت هذه الحسناء لا تحتاج إلا القليل فسواها يحتجن الكثير.
وهذا ما يمكن أن نسميه بالإقناع من خلال الموازنة بالنموذج، فالنموذج الجميل الطبيعي هو المقياس في أثر هذه المساحيق، والمحفز لاستعمالها الوعد بأن يكون على قدر النموذج ومثاله، والذي يؤكد قدرة المساحيق هذه هو ما تحدثه بهذا النموذج من فرق، فهذه النسبة القليلة كما يقول الكاتب الذي تحدثه المساحيق فيه تثبت أنه مع زيادتها (نسبة المساحيق) ستكون النتيجة واحدة.
وقد يكون الإقناع عن طريق موازنة شكل المخاطب (المرأة) بما تضفيه مادة اللباس على عليها بشكلها قبلها، فإذا كانت المادة ذات انتشار واتساع فهي لا تناسب ذوات الشكل الكبير، والعكس صحيح، بمعنى أنها إذا كانت ترغب في ملء جزء من الأجزاء، فإن هذه الخاصية تكون سبباً مقنعاً في قبولها لهذا اللون من اللباس. يقول الكاتب: «الريش يضفي الكثير من الحجم على الإطلالة. وإذا كنت تتمتعين بجسم ممتلئ تجنبي ارتداءه على كامل الإطلالة».
فالاعتماد على الموازنة وبيان الفارق بين الحالين هو الذي منح القيمة في الحجة على صحة ما يقول، مع مفهوم آخر وهو مفهوم التناسب وسأتحدث عنه في المقالة القادمة.