د. خيرية السقاف
لو جمعنا عدد البشر الذين يعيشون على الأرض، وسعينا لمعرفة تفاصيل آثارهم على بقية ما خلق الله عليها في معيتهم، فهل سوف تميل الكفة في ميزان الدقة للصدق، والثبات نحو الخير؟!
أم ستنال كفة الشر الوزن كله، أو أكثر مما في الأخرى؟!..
هذا الإنسان الطاغي بذكائه، بوعيه، بإدراكه، بحسه، بل بخبثه، ورغائبه، وشهواته، من المقدرات فيه، إلى أين سيأخذ بكفة الميزان؟!..
هذا الإنسان في كل الأعداد التي سوف لن يتمكن العد من إحصائه، فالولَّادة حيث اللمحة تلد فوق سعة الكوكب الأرضي كله ليس فقط في المصحات الفارهة، والبيوت الشعبية، بل في الأدغال، والغابات الموحشة..
الإنسان طاغ، يبرئ نفسه دوماً من الخطأ، والطمع، والنفع، ويسم ذاته بالخيرية وفق إيمانه بما فيها..
هذا الذي يضفي على ذاته المستقلة صفات الخيرية بجزيئاتها، وبكامل صفاتها،
لكن عندما تشهد الأرض بكائناتها الأخرى حروبه المعلنة، وتسجل حروبه المختبئة، وتتضمن ما تحت المخبوء، وترقم ما فوق من المكشوف منها تجدها لا تبقي على عرق في كيان الخير الذي يدعيه، فهو مشعل للحروب صانع لفتائلها، مؤجج لآثارها..
فحروبه على سعة كرة الأرض حيث يدب، ويطلق أنفاسه، قائمة، مستديمة، حروب النجاح، وحروب الثراء، وحروب التنافس، وحروب الإماتة، وحروب الاعتداء، وحروب الأطماع، وحروب الاستعمار بكل أنواعه، وحروب الساحات، وحروب النفوس، وحروب العقول، وحروب الأمراض، وحروب الطبيعة، حروب الميدان، بعتاد الفتك، وبعدة الإبادة، وبلغات التضليل، والظهور، والبريق، والتنافس..
إن إنسان الأرض مختصر في كل هؤلاء البشر الذين لا تقوى آلة على إحصائهم وإن توهم العدَّداون! وإن تفوَّقت أداة الإحصاء!..
إنه مفرد، وجمع من يحرك ترسانات الحروب بكل أنواعها، وصفاتها، وآلياتها، وأساليبها، ولغاتها، وكلها مضادة للسلم الذاتي الفردي، والبشري الكلي، والمعاشي بعامة.
فأي خيرية يدعيها البشر فرادى، وجمعا؟!..
إنهم بدءًا يحاربون بذور الخيرية الفطرية فيهم، وإن ادَّعوها..
إلا من سلم قلبه منهم بقين تام، وإيمان عميق..
فوحده الإيمان المطلق طوقُ النجاة في محاربة الإنسان نفسَه، وسواه في كل نطاق..