د. عائشة الفيحان
تكاثرت في الآونة الأخيرة أخبار العنف ضد الأطفال، حتى أنها باتت تصل إلينا بشكل شبه يومي، وبأشكال متعددة، في إشارة تحيل إلى أحد أمرين أو إليهما معا؛ إما أن أخلاق الناس قد تفسخت مؤخرا واضطربت وصاروا لا يعيرون الطفولة أي اعتبار، وإما أنها كانت كذلك بالفعل لكن وسائل التواصل الاجتماعي قد أسهمت في تعريتها، وأتاحت لنا معرفتها بهذا الكم من القبح والكثرة.
يغير العنف الجسدي إطار النسق الاجتماعي الذي يتحرك البشر بداخله؛ لأنه يعمل على تعطيل الضمانات التي تقي الحياة من الخروقات، فالعنف يفرز انعدام الثقة ويدمر كل تواصل اجتماعي نتيجة للكم الهائل من الأذى الذي يلحق بالمعنفين، وتعرف منظمة العمل الدولية العنف بأنه: «استخدام القدرة الجسدية ضد شخص آخر، أو مجموعة أشخاص ينتج عنها أذى جسدي أو نفسي أو جنسي»، وأياً كان العنف فهو دائماً ما يطرح شططاً وانحرافاً وحيداً عن الطريق باعتباره مرضاً قد نتمكن من علاجه بالتحضر والتحاور كما أشار إلى ذلك علماء النفس.
لقد أصبحت ظاهرة العنف الذي يمارس ضد الأطفال من أسرهم ظاهرة بارزة في مجتمعنا العربي فلا تكاد تختفي من الذاكرة صورة لتعذيب طفل على يد أحد والديه أو أحد من أقاربه من الدرجة الأولى كالعم أو الخال أو الجد إلا وتظهر لنا صورة أبشع لطفل آخر يعذب، هذه الصور من التعذيب الجسدي أو الجنسي أو النفسي التي اعتادت العين على رؤيتها في وسائل التواصل الاجتماعي تجعلنا أمام عدد من التساؤلات: هل يجد الجاني لنفسه مبررا لهذا العمل العنيف؟ لماذا يتم تصويرهم ونشر صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي؟
دائماً ما يجد المعنف لنفسه مبرراً لتصرفه، في محاولة منه لإبعاد صفة الوحشية عنه، فنجده يلوذ بعذر المرض النفسي، أو العوز والفقر أو القهر الاجتماعي، والحقيقة أن المعنف يشعر بلذة السلطة والقوة التي لا يتم إشباعها إلا من خلال معاناة الآخرين بتعذيب من يمتلك الوصاية والولاية عليهم فهم أضعف منه لا حول لهم ولا قوة.
كما أن تسجيل هذه الحوادث وبثها في الفضاء الاجتماعي مؤشر على أن المعنف لا يخشى من أي قانون أو عقوبة تردعه على تعنيف أطفاله، هذه الصورة التي لا نكاد نجدها في المجتمعات التي سبقتنا في تطورها الحضاري وذلك لوجود قوانين صارمة ومؤسسات تعمل على حماية حقوق الأطفال.
وبتزايد صور تعنيف الأطفال في مجتمعاتنا العربية تزداد حاجتنا إلى وجود قانون يجرم الاعتداء الجسدي أو الجنسي على الأطفال من ذويهم، وذلك لكي ينعم مجتمعنا بالسلام النفسي والجسدي، لكي يكون مستقبل أطفالنا آمنا مطمئنا، فهم عماد المستقبل، وإلا فسيكون هذا المستقبل مريضا من مرضهم، ومشوها من خلال التشوه الهائل الذي بداخلهم نتيجة للعنف الذي مورس ضدهم.
إن مجتمعا خاليا من العنف يخلق توازنا، وهذا التوازن لا يكون سعادة الحاضر فحسب، بل وطمأنينة المستقبل، والسعادة نتيجة حتمية لانضباط القانون الذي تتهدم الأخلاق والمثل بغيابه، وهو ما لا ينبغي أن يحدث.