علي الخزيم
كانت الجدة المسنة ترتشف قهوتها العربية، وتتلذذ بطعم رطب، جنتها من نخلتها التي تزهو كعروس فاتنة بفناء منزلها، وهي تعتني بها كما تعتني بنفسها، وتشعر دومًا بأن جنى النخلة هو الهدية المعتبرة بينهما؛ ليعتني كل منهما بصاحبه. بهنيهات الصفاء تلك سمعت الجدة من بعض حفيداتها كلمة (فك الأرنب)! فعدلت جلستها؛ وسألت: من الذي فك الأرنب؟ وهي تقصد مأوى أرانبها بجانب النخلة، بينما الحفيدات يتحدثن عن شيء لا تلقي له الجدة اعتبارًا؛ بل ربما لا تأنس بالحديث عنه وما يماثله من تقليعات الشباب من الجنسين فيما يتعلق بجمال المظهر ومستحضرات التجميل ومبتكرات تعديل وتغيير ما خلقه الله سبحانه للإنسان من أنف وأسنان وشفاه وغيرها، فجاء الجواب من الفتيات بأن المقصود هو (موضة) فك الأرنب للأسنان وليس إطلاق سراح أرنبتك الجميلة لتمرح وسط العشب تحت النخلة، وأنها حالة جمالية ـ كما يزعمن ـ لإبراز أنياب الأسنان؛ ليبدو ثغر الفتاة حين تبتسم كما فم الأرنب. وحين اكتمل الشرح استندت الجدة وبيدها فنجان القهوة، وعلقت قائلة: ليتكن تعالجن ألسنتكن للجمها عن فضول الكلام! ويحمد للفتيات أنهن لم يشرحن لجدتهن كيف يصنعن لاكتساب ما يسمى (ابتسامة المشاهير)؛ فلو حدث هذا لسمعن منها كلامًا يطلق الأرنب وصغاره من إساره دون تردد.
وعلى ذكر الأرنب فإن من الحقائق المدونة عنه أنه من الحيوانات الخادعة جدًّا، ويمكنه الجري بسرعة (29 كم ساعة)، وبشكل متعرج، وبمهارة عالية للهروب من المفترسات. ويتمتع بعينين تدوران 360 درجة؛ وهو ما يتيح له النظر خلفه دون إدارة الرأس! وتقول جدة من بلاد الغرب خبيرة بالحيوان اللطيف إن من أجمل الأرانب الأرنب النهري جنوب إفريقيا، وإن من أكثرها أناقة (الأرنب البركان) بالمكسيك. ولا أتفهم كيف تجتمع الأناقة وثوران البراكين، غير أن للجدات رأيًا مختلفًا.
ومنذ كنا أطفالاً ونحن نشاهد الأرنب بأفلام الكارتون وهو ذو أسنان بارزة، تجمِّل فمه، ويقضم الجزر بشهية ومهارة عالية. وربما هذا هو السبب الأكيد لعدم ظهور أي أرنب يرتدي النظارات؛ فلن يتفق الجزر وضعف النظر. والأسنان التي تلفت نظر كل طفل يعشق متعة المشاهدة، وكل فتاة تطلب مزيدًا من الجمال، تسمى القواطع، وهي ستة موزعة بين الفكين. وخلقة أسنان الأرنب بديعة عجيبة؛ لتساعده على طحن الأعشاب وقضم اللحاء، ثم يحلي بالجزر. ووهب الله سبحانه الأرانب ميزة فريدة بأن جعل أسنانها قابلة للتجدد والنمو المستمر طيلة حياتها، ولكن هذا غير مبرر للفتيات لأن يتخذن (فك الأرنب) لابتسامتهن؛ فمهما كانت المعالجة والتجميل فلن تكون المرأة كالأرنب اللطيف الرقيق لا ظاهرًا ولا باطنًا، ومهما ادعت هذه الفضيلة فالمسألة نسبية.
وحديثًا تُستخدم تقنية العدسات اللاصقة للأسنان للحصول على ما أطلق عليه ابتسامة المشاهير أو هوليود.. غير أن خبراء طب الأسنان يؤكدون عواقبها الوخيمة للحذر منها. وأول ما يمكن فعله التوجه إلى متخصص ماهر؛ ليصنع لكم هذه الابتسامة الرائعة، والابتعاد عن مدعي المعرفة بها، ولئلا تتحول ابتسامتكم لما يشبه (فك السلحفاة).