عبدالعزيز السماري
الكهنوتية من أهم أزمات السياسية العربية المعاصرة، فعندما يتحدث السياسي المعمم أو غير المعمم باسم الله فاعلم أن الغرض ليس الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، ولكن البحث عن السلطة والمال، وربما تختزل هذه العبارة الأوضاع السياسية في العراق ولبنان، فزعماء الطوائف والأحزاب الدينية قادوا مجتمعاتهم إلى الفقر والفساد المالي وأدخلوهم إلى بوابات الفوضى بلا حساب..
وجه الخطورة يظهر عندما يصل المواطن البسيط إلى هذا اليقين، فالقصد لم يكن الله عزَّ وجلَّ، ولكن سرقة الناس باسم الله جلّ جلاله، وتلك الطامة التي من الممكن أن تسقط السقف على رؤوس الجميع، ويبدو أن ذلك في طريقه إلى الحدوث في العراق، فالناس فقدوا الأمل من رجال الدين، فالأمر لم يكن إلا تجارة يتكسبون من خلالها.
تجاوز الغرب هذه المعضلة، عندما عزل الكنيسة عن التدخل في السياسة، وكانت نتيجة ذلك أنسنة السياسة، فالجميع يتحمّل قراراته إذا ثبت أنه خالف القانون أو الدستور، بينما يصعب أن تحاسب رجل دين يعتقد أنه يتحدث باسم الله، ففي ذلك أمر غير معقول، وقد يكون بمثابة الحصانة التي يتحرك من خلال الباحث عن أطماع الدنيا من خلال الله عزّ وجلَّ..
في الشرق العربي لا يزال ذلك ممكناً، فالمشهد السياسي في بعض الدول العربية يزدحم بمختلف المرجعيات الدينية والطائفية التي تتحدث باسم الله في السياسة، وقد أدى ذلك إلى تدهور الأحوال الاجتماعية، وإلى اندلاع الثورات والمظاهرات، ولا يمكن اختزال هذه المشاهد في بلد محدد، فقد كانت الثورة الدينية الإيرانية ملهماً لمختلف الحركات الدينية لتناول السياسة باسم الدين..
لا يزال بعضهم يتحدث في ميادين السياسة الممكنة عن خروج المهدي وعودة الحسين لينتقم من الظالمين، وقتلهم ثأراً لدمه الطاهر كما يقولون، بينما يعلم المتحدث أن جزءاً كبيراً من شعبه ينتمي للفئة المتهمة بقتل الحسين، وهذا خطاب دموي غير عقلاني، ويمر مرور الكرام أمام القانون بالرغم من التحريض الطائفي الخطير، ويتكرر مثل هذا الخطاب من مختلف الطوائف، وهل تُبنى الأوطان في العصر الحديث من خلال خيال الأساطير واستدعاء الماضي الأسود في تاريخنا الطويل..
هي مسألة وقت، وسيخرج الدين نقياً طاهراً من الخطاب السياسي العام، فقد سئم الناس استغلال كلمات الخالق في الخطابات الانتخابية، فالشعوب تريد أن تعيش بسلام، وأن يتعلم أبناؤها، وأن تتوفر ضروريات الحياة بدون عناء في حياتهم اليومية، فلا يجتمع فقر وجهل في وطن إلا انفجر من الداخل.
تعتبر منطقة الشرق العربي أكثر منطقة في العالم مزدحمة بالطوائف والأقليات، ولا يمكن السماح للطائفية والعرقية أن تكون مرجعية في هذه المنطقة، فالحل هو المدنية بعيداً عن إدخال العقائد في الخطاب الديني، وإذا نجحت الشعوب في هذه الدول في الخروج من سطوة الخطاب الطائفي المتشنج، ستكون إيران المحطة التالية في قطار التغيير السياسي في المنطقة.