د. صالح بن سعد اللحيدان
والإطراء كما سبق الحديث عنه ليس أصلاً إذا كان منحاه المبالغة في الثناء والسير على منوال تهويل الوصف؛ ولهذا قيل إذا أردت قتل من تريد فبالغ في وصفه (بالعظيم).
1/ فالإطراء هو: الثناء المعقول.
2/ والإطراء هو: مدح من تريد بحق.
3/ والإطراء هو: بذل القول بميزان صواب.
4/ والإطراء هو: الحمد بقدر معقول.
5/ والإطراء هو: القول الحسن دون تعظيم.
6/ وقالوا الإطراء: هو الثناء دون تزلف.
7/ والإطراء هو: ذكرك الوصف له لا عليه.
8/ وأطرت فلانة فلانة: أثنت عليها.
9/ وأطرأ العمل: امتدحه لجودة القيام به.
10/ وأطرأ العمل عن نفسه: أي أبان عن إتقان.
وقيل يُمتدح ثلاثة:
الأول: (لاكتفاء شره).
الثاني: (والطفل النابه لرفع معنويته).
الثالث: المجيد للعمل دون تهويل.
وقيل: إذا بالغت بالوصف والثناء كان لك ذلة، ولمن وصفته صفة ورواءة، وكان ذماً عند العقلاء.
ولأن الناس يعرفون هذا وذاك فإن الإطراء إنما يكون بميزان مُستقيم، وقيل يضحك الناس عليك من خمس:
1/ إذا عظمت صاحبك محبة ومودة.
2/ إذا عظمت عملاً يسقط عند نظره.
3/ إذا عظمت رجلاً يعلم الناس أنه ليس بذاك.
4/ إذا أطريت تعظيماً (شخصاً) تعلم أنك ظلمت غيره، وهذا تزلف ونقص في العقل.
5/ إذا وصفت (بالعظيم) غير الموهوب المجدد.
وقد كان عقلاء الشعراء وسادة العلماء خلال ما سلف من القرون يتوخون الحذر كل الحذر، فإذا وجدوا شعراً أو كلاماً مدوناً في (كتاب) أو رقعة فيه مبالغة أو تهويل، كالوصف مثلاً (بالجليل) أو (سبق غيره) أو (بالعظيم)، تركوه في مهب الريح يذهب هدراً؛ لأنه أسف وشطح.
وقد كان من سلف يتوخون الفطنة والاعتدال في كل كلمة وكل وصف, لكنهم يعذرون الجاهل في أساسيات مراد الألفاظ ما لم يتكرر منه ذلك، فإن حصل منه هذا وصفوه بالمعتوه أو المتزلف أو الأرعن.
ولهذا لم يخلد من (العلم) والكلام العام والشعر إلا المعتدل واقعي المعنى صحيح الألفاظ.
وكل كلام معتدل مقبول دون ريب.
ولهذا في المثل لما قيل لمصطفى بن صادق الرافعي:
إنك لعظيم في لغتك.
قال له: رددتها عليك.
كأن (الرافعي) كره هذا جداً.
والمشكلة من يقبلها فيسكت فكأنه لبس غير لباسه.
ولا جرم؛ فالتوازن بالأوصاف وصدق الإطراء إنما يكون بالعقل الحر الأمين المدرك الفطين؛ ولهذا وكما فرق/ عباس بن محمود العقاد في كتابه عن بيانه حقيقة (العظيم والقدير) في كتابه (معاوية بن أبي سفيان)، وبيّن هناك جليل الفرق بينهما.
وهي مني كلمةٌ ضرورية للتعقل والروية والاحتراس؛ لئلا يذم المرء نفسه وهو قد لا يدري عند إطلاق الأوصاف على العلات، ولو كان ذلك من باب (حسن النية)؛ لأن الناس لا يقدرون المسف, ولا يعذرون المبالغ الهائم على وجه غير قويم، ولاسيما وقد يغيب عن كثير (اليوم) حقيقة الأوصاف، وهذا واقع جداً كما هي في الخلط السيئ بين الموهوب, والنابغة, والذكي؛ فقد يُعطى (النابغة) حق الموهوب؛ فتضيع أولى النوعيات السباقة (ولا ينبئك مثل خبير).