عبد المحسن سليمان الحقيل
كتب أستاذي وصديقي الدكتور إبراهيم التركي مقالاً موجهاً عنوانه: «النص إذا انغلق»، وأستأذن الدكتور في إعادة توجيه نصه لدراساتنا الأدبية فالتركي قال: «إن القراءة من داخل النص لا تشبه القراءة من خارجه...» وأكد أن النص المعتمد على قراءة داخلية يكون خطابه باهتاً وبالتالي فتأثيره ضعيف.
سيدي.. آخذ ما أكدته وأقول: ماذا عن نصوصنا الأدبية؟ كيف قرئت؟
نعود - سيدي القارئ - معاً إلى شرارة مهمة مع ابن قتيبة الذي قسم بنية القصيدة وعلل لم ابتدؤا بذكر الديار والدمن والآثار ليكون هذا سبباً لذكر أهلها الغائبين ثم انشغل الشاعر بالنسيب ليميل نحوه القلوب ثم لكي يوجب حقه على الممدوح رحل وسهر وتعب ثم شرع في المديح.
أسألكم: هل نحن نقرأ نصاً واحداً أم نصوصاً عدة؟!
تبدو وسائل خارجية دخلت النص رغم حصرها في غرض المديح لكنها مزّقت النص إربا، تاه النص وضاع.
إنها قراءة تبدو خارجية لكنها ما تلبث أن تغلق كل غرض على نفسه ثم تكتفي به فيتفرق النص؟
لا ألوم ابن قتيبة لكن المشكل أن دارسي الأدب توارثوا هذا الرأي دون انتقاد وكأنه وحي سماوي!
بعد ذلك إذا ناقشتهم لم احتاج شاعر أن يعرض رحلته وراحلته ولم يكن غرضه المديح؟ قالوا: الفن للفن والشعر للشعر وياللهول يا أبا أمامة!
هنا هم يعودون للقراءة الحقة ويخرجون من الطوق لكنهم ما يلبثون أن يعودوا للأسر مكررين قول الشيخ ابن قتيبة.
لست أكثر من تلميذ في مدرسة ابن قتيبة ولكني أناقش أفكار سيدي بصوت عال.
هل حقاً بدأ الشاعر بالأطلال ليذكر أهلها وهل حقاً ناقش رحلته ليستحق العطاء هذا جيد لكن بشرط أن تناقش نصوصاً مستقلة وليس نصاً واحداً.
وإذا سألتهم: لم خرج عمرو بن كلثوم عن القاعدة فلم يذكر رحلة ولا راحلة قالوا: لانشغاله بهدف محدد.. عجباً.. من قال إن النص الجاهلي ممزق هكذا؟ ومن قال إن القصيدة الجاهلية تفتقد إلى الوحدة؟!
يقول أبو يزن: « لم يعد كافياً مجيء الحوار عبر مرجعية وحيدة لها الأمر والنهي...» وأقول:
رحمك الله ورحمني أرأيت كيف اجتهدوا مرة أخرى فقسموا الشعر في عصور وزعموا أن لكل عصر مزاياه وعيوبه.. سبحان ربي وهل كل الشعراء الجاهليين كتبوا لغة واحدة؟!
هل لغة زهير هي عينها لغة الأعشى؟ ثم ناقضوا هذا التقسيم فزعموا أننا نجد في الشعر الأموي شيئاً من العودة إلى النفس الجاهلي.
جميل ورائع فهل يمكنني عد الفرزدق جاهلياً من حيث شعره؟
تداخل العصور هذا بم ينبئكم؟
هذا جزء من قراءاتنا وهذا جزء من جهدنا نكرر ونعيد إلا من رحم ربي وما نزال نتمسك بفكرة الغرض الشعري التي تساهم في تمزيق النص وتحيله إلى قوالب جاهزة وتبعده عن الإبداع كله أي أنها تخرج الشعر من كونه شعراً.
يا سيدي الشعر هو الحياة، الشعر هو نبضنا وإحساسنا.. يبدع الشاعر حين يشعر بصوت خفي يغني داخله وإذا لم يسمع هذا الصوت وأصر أن يغني كان أضحوكة لكل العالمين بفن الشعر ومع هذا المحرض الداخلي والقراءة الخارجية نجد نصوصاً رائعة تطربنا كلما قرأناها.
خاتمة:
ولو لبس الحمار ثياب خز
لقال الناس: يا لك من حمار!