الدموع أسهل الأدوات التي يمكن من خلالها التأثير على مشاعر الجمهور. عندما بدأت صناعة الأفلام في العشرينات الميلادية لاحظ مجموعة من صناع الأفلام الروس أن للسينما خدع يمكن من خلالها التأثير على الجمهور، فقاموا بإجراء بعض التجارب التي أثبتت أن رؤية حساء ساحن تجعل المتفرج يشعر بالجوع، وأن رؤية لقطة فم مبتسم تجعل المتفرج يشعر بالسعادة، ولقطة بكاء تجعل المتفرج يشعر بالحزن، وقادت هذه التجارب لوضع القواعد الأولى لفن المونتاج السينمائي، تحت إشراف الروسي سيرغي إيزنشتاين ورفاقه.
قدم المخرج الإيراني سعيد روستايي أول أفلامه الطويلة بعنوان « الحياة + يوم واحد»، وحقق الفيلم نجاح نقدي وجماهيري عالمي، ويتعامل الفيلم مع ثيمات اجتماعية تعكس مستوى انحدار الحياة وصعوبتها داخل إيران.
يحكي الفيلم قصة عائلة فقيرة يعاني أفرادها من الفقر والضياع وقل الفرصة والعزلة والأمراض والمخدرات، فنشاهد الشخصية الرئيسية «سمية»؛ فتاة في الثلاثينات من العمر، تقوم بمهام الأم لكل أفراد العائلة، وإنجاز كل ما يتطلب إنجازه من عناية ونظافة واهتمام، ولكن تأتيها فرصة للزواج من رجل أفغاني غني - الغنى هنا نسبي بناءاً على فقرهم- ، و كبير في السن، وعنده زوجات أخريات، وهم بسبب الفقر بحاجة للنقود، فكيف سيكون حالها إذا رحلت عن عائلتها؟ وكيف سيكون حال العائلة بعد زواجها؟
الشخصية الرئيسية الثانية «مرتضى»، وهو أكبر أفراد العائلة، يصارع على مستويين، المستوى الأول الشخصي عبر عدم النظر للماضي، ومحاولة تحسين أوضاعه المعيشية وخلق فرصة عمل عبر فتح محل لبيع سندوتشات الفلافل، ولكنه غارق في الديون ونسبة نجاحه ضعيفة، وأحواله المادية تزداد سوءاً. والمستوى الثاني الذي يصارع من أجله شخصية مرتضى هو لملمت شتات العائلة والحفاظ عليها.
يجسد شخصية «مرتضى» الممثل بيمان موادي، وهو الذي أدى دور الزوج في فيلم «انفصال» لأصغر فرهادي الحاصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي 2015. يركز فيلم «الحياة + يوم واحد» على سمية و مرتضى بشكل رئيسي في محاولات بنائهم للعائلة، ومن جهة يظهر الأخ الأوسط «محسن» الذي قوم بهدم كل ما يتم بناؤه، ومحسن شاب للتو خرج من السجن، ومدمن وبائع مخدرات، و يجد نفسه دائماً يغوص في مصاعب و وحل الإدمان.
يبدأ الفيلم عبر الحوارات المكثفة التي تقوم بالتعريف بجميع الشخصيات وماضيهم وحاضرهم بشكل جيد، ولكن البناء التصاعدي للفيلم يصل لمرحلة الاكتفاء، ويصل لنقطة سردية لا يستطيع تجاوزها، فيعجز عن تقدبم معالجة درامية للأحداث، ويكتفي بتكرار نفس المأساة، برتابة، وملل، في نفس الدائرة السردية الحزينة، حتى النهاية.
الفيلم مليء بالدموع، حزن لأجل الحزن، ويتشابه بذلك مع المسلسلات الخليجية، ولكن يتفوق عليها من الجوانب الفنية والتقنية، ويتميز عليها بواقعية التصوير وجودة الأداء.
عنوان الفيلم مزعج قليلاً وكأنه معادلة من الدرجة الأولى بمجهولين، ولكن فكرة العنوان تأتي في إحدى حوارات الفيلم، وهي إذا حكم القاضي على الجاني بمؤبد ويوم، أي أنه يظل حتى موته داخل السجن، وبعد موته يظل أيضاً يوماً واحداً قبل دفنه. وكأن الحياة داخل إيران سجن مؤبد + يوم.
البكاء الزائد في الأعمال الدرامية هو خدعة سردية لأجل السيطرة على عواطف الجمهور، وهي خدعة قديمة ومستهلكة، حاول الفيلم استخدامها بشكل مفرط فأثر ذلك على الجودة الكلية للفيلم.
** **
- حسن الحجيلي