حمّاد السالمي
* نفّذت القوات الخاصة الأميركية قبل أسبوع؛ عملية خاطفة على الحدود التركية السورية، فقتلت خليفة الإرهابيين الدواعش (أبو بكر البغدادي). إن اليوم الذي يهلك فيه إرهابي قاتل ومخرب مفسد في الأرض؛ هو- بدون شك- يوم عيد، لكل من أراد أن يلقى الله بقلب سليم.
* ظهر الرئيس الأميركي (ترامب) بعد ساعات على العملية العسكرية؛ في خطاب تفصيلي موجه للخارج وللداخل أكثر. التخلص من دمية مؤذية مثل البغدادي، يحقق نصرًا لرئيس أميركا على خصومه الديمقراطيين، ويبرز عضلات أميركا من جديد؛ أمام قوى دولية تتصارع على بؤر ومصالح في الشرق الأوسط، الذي أُنهك بما فيه الكفاية.
* من المؤكد أن أميركا كانت قادرة على التخلص من الهالك (أبو بكر البغدادي)، والتخلص من كل من هم حوله ومن يدور في فلكه منذ زمن طويل، لكنه أُبقي لغرض في نفس من أوجده، وأوجد دولته المزعومة على أنقاض القاعدة وزعيمها الهالك (أسامة بن لادن)، الذي تم التخلص منه هو الآخر في ولاية (أوباما). طريقة الخلاص من البغدادي على يد ترامب؛ تمت بذات الطريقة التي نفذها أوباما للخلاص من ابن لادن. (إخفاء ولا أثر).
* ابن لادن كان ينفذ أجندة سياسية ظاهرها الجهاد ضد الكفرة ووقف الزحف السوفياتي على ديار العرب والمسلمين، وباطنها إطلاق مارد التمرد والعصيان ضد الذات في بلاد العرب والمسلمين، وتنفير الخوارج من مجتمعاتهم، وتوجيههم ضد بلدانهم في البداية؛ لتفكيك البنى السياسية والثقافية والاجتماعية، وإشغال كل دولة في نفسها. المخطط الكبير الذي انطلق من أفغانستان؛ استثمر بشكل ذكي وجيد؛ الخطاب الديني الغبي الذي كانت - وما زالت - تعج به منابر ومحابر ديار العرب والمسلمين. خطاب التكفير، وقطع الصلة بالحاضر، لصالح الماضوية، التي صورها على أنها الطريق الوحيد للوصول للجنة.
* قامت القاعدة في أرض بعيدة بعض الشيء عن بلدان الشرق الأوسط المستهدفة بالتفكيك والتمزيق، وأُمهل ابن لادن سنوات وسنوات حتى نفذ مهمته بنجاح، وعندما استُنفذ تمامًا؛ تم التخلص منه، وسرعان ما ظهر البديل في البغدادي وداعش. إن الدمية الجديدة لهذه اللعبة التي يشترك فيها عدة أطراف دولية؛ أصبحت في قلب الشرق الأوسط، الذي يخطط له ليكون: (شرق أوسط جديد). أمصار صغيرة، ودويلات ضعيفة، تقاد بفكر متخلف، وتظل تتصارع فيما بينها، في حياة ذل وفقر ومرض وجهل.
* الهالك البغدادي؛ قُتل في جحر تحت الأرض وهو يولول ويبكي. كان ذلك على بعد 5 كم من الأرض التركية..! وعلى حد قول المحللين القريبين من هناك؛ كان في طريقه إلى تركيا مع أسرته وبعض قياداته. إن مقتل البغدادي يكشف عن جوانب من اللعبة التي تجري اليوم على أرض الشام بين أميركا وروسيا وتركيا وقطر وإيران وجماعة الإخوان. جماعة الإخوان المفسدين؛ التي هي رأس البلاء فيما نحن فيه من فتن ومصائب. العدوان التركي على الأراضي السورية؛ كان يمهد لخروج البغدادي واستخدامه انطلاقًا من تركيا، وفك أسر آلاف الدواعش من أتباعه من الشبك؛ ثم توجيههم إلى بلدان عربية أخرى، وبخاصة إلى ليبيا.. الهدف القادم بعد سورية هو مصر. إذا ظهرت دولة إخوانية من الدواعش في ليبيا، فلن تهنأ مصر، وإذا خرج جرذان داعش من جحورهم في الشمال السوري؛ فالأردن ودول الخليج والمغرب العربي والسودان هدفهم القادم، بتدبير ودعم تركي إيراني، وبمباركة دولية.
* لم يكتف الرئيس الأميركي ترامب بتحقيق النصر الذي أراد في سورية، لكنه كما قال؛ يخطط لحماية نفطها..! ولدعوة شركات تدير هذه الثروة..! بعدما خسرت دولته نفط العراق. لم يقل أن أميركا فرطت في العراق كله، وسلمته على بساط من نفط لإيران؛ التي تمددت من النجف وكربلاء إلى دمشق وبيروت، ثم واصلت المسيرة إلى صنعاء، ولم يقف في طريق تمددها سوى المملكة العربية السعودية، حين أيقظت بوقفتها العربية الشجاعة هذه؛ مشاعر النخوة العروبية، عند بعض العرب في بلدانهم التي ترزح تحت نير الصفوية الفارسية المعمّمة.
* حسنًا.. هلك زعيم آخر للإرهابيين بإرادة أميركية مرسومة. أراد الكل المشاركة في كعكتها - تركيا وإيران والعراق وسورية وروسيا - وقريبًا سوف يخلقون دمية آخر يسمونه خليفة أو أمير. المشكلة ليست في هذه الدمى التي تخرج من الحاضنة العربية والإسلامية، لتحقق مصالح غربية وشرقية وإيرانية وتركية وخلافها، مثل القاعدة وداعش والنصرة والإخوان وغيرها؛ المشكلة تكمن في الحاضنة العربية الإسلامية ذاتها، التي تسمح وتشجع وتدعم هذه المشاريع الهزائمية، من منطلقات ترفع شعارات دينية وجهادية، ثبت زيفها وكذبها، وأنها مجرد لعب بيد أعداء العرب والمسلمين، وتُنفذ من خلال عرب ومسلمين مع الأسف.
* انظروا ماذا جرى للقاعدة وزعيمها الهالك ابن لادن، وماذا جرى الآن لداعش وزعيمها الهالك البغدادي..؟ انظروا واعتبروا. هذا دريس صريح، وهذا درس فصيح، لمن له عقل وفكر ومنطق. أتوجه بالكلام اليوم؛ لأولئك الذين كانوا وما زال بعضهم؛ يُصدّع رؤوسنا بخطب دينية رنانة، تدعو لنصرة المجاهدين في الشام والعراق وأفغانستان والصومال وزرحلة..!! أما آن لهذا الحمق أن يتوقف..؟ ولهذا الجهل أن ينتهي..؟ ولهذا الليل أن ينجلي..؟