عبدالعزيز السماري
العالم يتحول إلى مكان واحد وثقافة مشتركة، وفي طريقه إلى نهاية عصر الخصوصيات والأيدولوجيات والمصالح الضيقة، ومهما حاول السياسيون التلاعب بهذه الاصطلاحات ستخترق المعلومات الحواجز التي يصنعونها ضد التماهي بين شعوب الأرض.
ربحت نماذج الحياة الاجتماعية المعاصرة وعوالم الاقتصاد والسياسة والبيئة والعمران جولاتها العقلانية الحديثة، والتي تأسست بعد ثورة العقل، ضد رجال الدين وسلطة الكنيسة والمرجعيات الدينية في العالم، وتحولت بعد ذلك إلى أشبه باللغة العالمية، وقد يعاني كثيراً من يجهل الحديث من خلالها أو التعامل مع مصطلحاتها، فقد أصبحت الحياة بالفعل تقوم على أركان أساسية مثل الحرية المسؤولة تحت طائلة القانون، والشفافية، وثورات الحقوق الفردية، والتسامح، واستقلال القضاء، وغيرها من الأفكار الحديثة..
ويبدو أن موجات التسارع في التغيير قد وصل إلى منطقة الشرق العربي، فالإنسان أصبح له صوت مسموع، وسيكون من الصعب تجاوز مطالبه، فاللغة العالمية تعلمها الجميع، ولابد من الحديث من خلالها، وأي محاولة لإعادة الأيدلولوجيات الضيقة أو الطائفية ستعود بالزمن إلى الكوارث، ولهذا أرى أن الحكم الطائفي في إيران لا مستقبل له، ولا يوجد إجابة مقنعة عن تأخر الثورة المدنية في إيران إلا القمع الشديد.
في جانب آخر أصبحت الأفكار والوعي الإنساني تقترب كثيراً من بعضها البعض، ومن المتوقع أن تذوب الخصوصية داخل مفهوم القرية العالمية، وقد تؤدي إلى انتشار مفاهيم موحدة نوعاً ما حول فلسفة الحياة والاقتصاد والسياسة، وأيضاً حول دور الدين في حياة الفرد..
المؤكد أن الأقلية أو الثيوقراطية التي تدعي وصل الله عز وجل لن تنجح في إقناع الناس أنها تحكم من السماء، فالإنسان يبحث عن حياة كريمة وحرية مسؤولة، ولا يبحث عن صكوك للجنة، والله عزل وجل أعلم بمن ضل من عباده، ومن اهتدى، ولا يمكن لإنسان أن يقوم بالوسيط في هذا العصر..
لازلت أعتقد أن ذوبان سلطة الطوائف في الشرق العربي واختفاء تأثيرها على العقول ستكون أول خطوة في طريق التطور والوعي، وهو ما يعني خروج زعماء الماضي من الحاضر، وخروج زعماء وقادة تتواكب قدراتهم مع متطلبات العصر، وستكون أول خطوة في طريق تحرر ثقافة العرب من التسلط والتشرذم.
أعتقد أن زعماء الطوائف في العراق ولبنان في حالة من الذهول، فالإنسان المواطن تجاوزهم من دون أن يعلموا، فالخطاب العالمي والتواصلي أصبح في متناول الجميع، ولا يمكن لأمة أن تتجاوز أزماتها، وهي تعيش في الماضي، وتطلب العون منه، ففاقد الشيء لا يعطيه، والعقل الحالي أكثر وعياً من القرون الماضي، والدليل تطور مفاهيم حقوق الإنسان والبيئة.
مفهوم القرية العالمية لا يعني فقط وسائل التواصل الاجتماعي وتكوين الصداقات، ولكن يتجاوز هذه المفاهيم إلى السياسة والاقتصاد وتداول المعلومات، واختراق جدران الصمت، وسينجو منها من يستطيع فقط مواكبة هذا التغيير المتسارع، وإذا أردتوا الاقتناع بما يحدث، فعليكم فقط النظر إلى الوراء، وإلى عشر سنوات مضت، وكم من الأحداث وقعت، وكم من المتغيرات قد حدثت بالفعل على أرض الواقع وفي وقت قصير.