يوسف المحيميد
لا شك أن كثيرًا من المواهب في بلادنا ماتت بسبب ظروف النشأة والتكوين، فمدارس وجامعات الثمانينات كان تُحرم كل شيء تقريبًا، لا موسيقى، ولا مسرح، ولا فنون بصرية. فالموسيقى استعاضوا عنها بفرق الإنشاد، والمسرح بجماعة الإلقاء، والفنون البصرية ليست موجودة ما عدا التشكيل الذي حاصروه من خلال إلغاء مادة التربية الفنية عن المراحل الثانوية، وهي مرحلة مهمة لتحديد الاتجاه للشباب، بأن يضع الفنان قدمه على أولى عتبات سلم التشكيل الطويل.
ومع كل ذلك الحصار، ظهر لدينا موسيقيون، ومسرحيون، وفنانون تشكيليون، فهذه الفنون يصعب قمعها، ومحاربتها، وإلغاؤها، ولكن حين تظهر بشكل مؤسس جيدًا، ويلتحق الهواة بأكاديميات الموسيقى والمسرح والفنون البصرية في مرحلة عمرية مبكرة، فإن ذلك سيختزل عليهم الوقت، ويوفر الجهد في محاولات التعلُّم الذاتي، وتكرار الأخطاء، وكذلك يوفر المزيد من التدريب من خلال دورات معتمدة يقوم عليها مدربون مختصون في هذه الفنون الجميلة.
إن الاتفاق بين وزارتي الثقافة والتعليم على رعاية الفنون هو اتفاق مهم للغاية، على المدى البعيد، وليس له أبعاد اجتماعية فحسب، بل اقتصادية أيضًا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، المسرح في بريطانيا، والفن التشكيلي في النمسا وفرنسا، والموسيقى في دول أوروبا كافة، تعتبر دعمًا مهمًا للسياحة في هذه الدول، ومصدر دخل جديد لميزانياتها، وللقطاع الخاص فيها. من هنا، فإن قطاع الفنون بحد ذاته يعتبر تخصصًا مهمًا لهذا الجيل، خاصة مع اهتمام الدولة بهذا القطاع منذ بضعة سنوات، وبعد انطلاق أكاديميات الفنون، وجعل هذه المجالات ضمن عناصر الخطط التعليمية في القطاع العام، مما يوفر للناشئة ذائقة فنية عالية، تسهم في تكوينهم الثقافي.