محمد آل الشيخ
في تصريح سابق لسمو الأمير الأمل محمد بن سلمان قال: (أنا أعتقد أن أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط، مضيفاً المملكة العربية السعودية في الخمس سنوات القادمة سوف تكون مختلفة تماماً، البحرين سوف تكون مختلفة تماماً، الكويت، حتى قطر على خلافنا معاهم لديهم اقتصاد قوي وسوف تكون مختلفة تماماً بعد خمس سنوات)؛ بصراحة كنت أعتقد أن الأمير كان يطلق مثل هذه الوعود لمجرد الاستهلاك كما تعودنا من الزعماء العرب في مناسبات كثيرة، غير أن التحول الكبير والانفتاح الحداثي على الخارج، والذي كان (موسم الرياض) هي خطوته الفعلية الأولى جعلني أجزم أن تلك الوعود كانت صادرة عن رؤية ممنهجة، وليست أحداثا أو كرنفالات عابرة، وبالقدر نفسه يأتي إعلان اكتتاب أرامكو الذي جاء توقيت إعلانه مواكباً لفعاليات موسم الرياض ليؤكد فعلاً أن ما وعد به الأمير بدأ تحقيقه على أرض الواقع، وبالشكل والمضمون والتنسيق الذي يؤكد أن مرحلة (أوروبا الجديدة) قد بدأت فعلاً، فالتنظيم والفعاليات وتعددها والدقة منقطعة النظير في تنفيذها، لا تجده بهذا الزخم إلا في أوروبا، ولم تعرفه المنطقة قط في تاريخها، الأمر الذي سيغري كثيراً من الدول المجاورة على اتخاذه نموذجاً، وتكرار التجربة في الدول التي أشار إليها سموه في تصريحه؛ فصناعة الترفيه والسياحة بهذا الشكل هو في النهاية تنوع اقتصادي في ابتكار أساليب وتنوع الدخل الاقتصادي، ومجال بكر لم يستثمر في الماضي.
وغني عن القول إن (اقتصاد الخدمات) والانفتاح سيكون من شأنه على المدى القريب والمتوسط توفير فرصا وظيفية جديدة، تواكب العرض من الأيدي العاملة التي تحتاج لها مثل هذه الخدمات، خاصة وهنا أذكر بتغريدة لي أشرت فيها إلى أن المملكة تملك من الإمكانيات الترفيهية والسياحية غير المستثمرة ما يوازي النفط، بالشكل الذي لو يتم استثمارها بحرفية ستشكل دخلاً وطنياً ثابتاً للاقتصاد الكلي للبلاد، وها هي مبشرات ما أقول تتجسد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى على الأرض، ولا يهمني أن يكون أخطاء هنا أو هناك، ولا عدم قدرة البعض على استيعاب أهمية ما حدث في (أول) موسم، فالشيء المبشر أن هذا النجاح غير المسبوق هو التجربة الأولى، الأمر الذي سيجعل التجارب القادمة ستكون بلا شك أنضج بعد أن يكتسب الشباب المنضمون مزيداً من الخبرة والتمرس في هذا الشأن الاقتصادي والثقافي العام.
وأنا أعذر كثيراً من المتحفظين على مثل هذه الفعاليات، لأنهم أولاً يجهلونها، والمرء عدو ما يجهل، أضف إلى ذلك أن الأغلبية الكاسحة منهم لا يدركون لا جدواها الاقتصادية ولا الثقافية ولا التنموية، وأثرها الجوهري على توفير فرص استثمارية جديدة، لا سيما وأن بلادنا حباها الله بكنوز في مجالات عدة، الأمر الذي يجعل استثمارها، وتذليل العقبات لتحويلها مصدر من مصادر الدخل سيساهم حتماً في تجذير الأمن والاستقرار، الذي أصبح لدى كثير من الدول، وخاصة العربية منها، بمثابة السياج الذي تتحطم عليه كل الاضطرابات، فالقاعدة تقول: أعطني اقتصاداً بمعدلات نمو جيدة أعطيك استقراراً وأمناً دائماً والعكس صحيح.
إلى اللقاء