عبدالوهاب الفايز
بماذا يذكِّر إعلان جامعة الملك سعود عن إقامة (سباق جري عائلي) بعد الغد ضمن فعاليات متنوعة للاحتفال باليوم العالمي للسكري تحت شعار (السكري والعائلة)؟
إنه يذكِّرنا بالدور الحيوي الذي تقوم به الجامعة، ممثلة بكلية الطب، لخدمة القضايا الصحية الوطنية. فالكلية في التاريخ القريب الذي أتذكره كانت رائدة في إطلاق مبادرات انتهت إلى مشاريع وطنية أقرَّها مجلس الوزراء، مثل فحص الدم للكشف عن الأمراض الوراثية، وإدخال التطعيمات الأساسية للأمراض المزمنة، وتعديل أوضاع المقاصف المدرسية.. وغيرها. ومن يعود إلى كتاب الدكتور فالح الفالح (حياة في الطب)، سوف يخرج بقائمة طويلة لمبادرات الكلية الأولى للطب في المملكة. وأتمنى أن يعاد تسمية هذه الكلية لتحمل اسم علم من أعلام قيادات بلادنا.
الكلية كانت تقوم بدور مؤسسة صنع السياسات Think Tank في المجال الصحي، إذ تجمع حصيلة الدرسات والأبحاث ثم تقوم بتحليلها وعرضها على الخبراء ورجال الدولة، ثم تستخلص مشروع إصدار قرار وطني لتصحيح الأوضاع أو تطويرها. وهنا نتذكر دورها الذي قادته في مجال مرض السكري، فالأساتذة في الكلية قادوا الدعوة لمشروع وطني يتصدى لخطورة تطور حالات مرض السكري التي اتضحت في منذ العام 1996م، إذ أخذت نسبة المصابين بالسكري تتصاعد من 5 % إلى حدود 10 % عام 1999 ، والآن وصلت حدود 28 %، (ثلث السكان تقريبًا). وقد أثمر هذا الاهتمام عن صدور تشريعات وطنية تستهدف السيطرة على هذا الوباء، وأقيم (المركز الجامعي للسكري) بمبناه الكبير داخل حمى الجامعة.
ثمة مؤشر إيجابي لأهمية خدمات المركز الجامعي العديدة نجده في ارتفاع نسبة الشفاء من جروح القدم السكري للمرضى الذين يتابعون العلاج في المركز، فقد وصلت نسبة الشفاء لأكثر من 80 %، وهذا يفوق المعدلات العالمية، وهذا نجاح وتطور إيجابي إذا عرفنا أن عدد حالات بتر الأعضاء، بسبب السكري، تتجاوز 2200 حالة.
ومشكلة بتر الأعضاء تفاقمت بسبب نقص برامج الوقاية والرعاية الأولية، فالمراكز الصحية الأولية غير مهيأة بالموارد البشرية والآليات الضرورية لإدراك خطورة تأخير علاج الجروح لدى مرضى السكري، فالمرضى يصلون إلى المستشفيات المتخصصة بعد تفاقم الجروح وانتقالها إلى مراحل حرجة. هذا أحد منتجات غياب الآليات التي تسهل على المواطن الحصول على الخدمة الصحية بالمكان والزمان المناسبين، وهو خلل قديم في النظام الصحي السعودي تحاول وزارة الصحة معالجته الآن.
الاهتمام بمرض السكري ضرورة وطنية وإنسانية، فالمملكة من أعلى 10 دول في العالم في نسبة المصابين بالسكر، ومريض السكري يكلف متوسط علاجه شهريًا 1000 ألف ريال، وعدد المصابين بالسكري في المملكة (4.5) أربعة ملايين ونصف مليون مريض.. (يالله عليكم حساب التكلفة!!).
مرض السكري يحتاج إلى نظام متكامل، فنحن لا ينقصنا الأطباء العارفون بالمرض وعلاجه، ينقصنا الخطة الوطنية المتكاملة للعلاج، والرعاية والوقاية.
إقامة الأنشطة الرياضية العائلية، مثل مهرجان الجري والمشي، ضرورية. المدينة الجامعية في جامعة الملك سعود تُشكر على استمرار اهتمامها بالأمراض المزمنة، وربط الأسرة كاملة بمرض السكري خطوة في الاتجاه الصحيح. ونتمنى أن نرى مشاريع مماثلة لمبادرة وزارة الصحة (نموذج الرعاية)، التي تستهدف الصحة العامة، فالوزارة يُفترض أن تقود الجهود الوطنية لتغيير نمط حياة الأسرة السعودية الذي يعد أحد مصادر ومسببات الأمراض.
رغم الجهد الذي نبذله لمحاصرة مرض السكري، إلاَّ أنه أقرب إلى جهد الذي بدأ يستعد (يسخن) للجري، بينما المرض منطلق يجري في الميدان!