د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** تجمعنا لقاءاتٌ دوريةٌ شهرية، وتربطنا مجموعةٌ رقميةٌ يومية، ولعلها من أقلِّ المجموعات عددًا فأعضاؤها ثلاثة فقط، وطبيعتها جادةٌ هادئة، تلتقي على عشاء «فول فقط»، وتخلو من عبث التراسل وعشوائيته، ولا يخلو مجلس أو مُجالسٌ من إضاءة فكرة أو إضافة معلومة أو بوحٍ نقيّ؛ لا تعنيها شؤون السياسة وشجون الرياضة وحشوُ الوسائط وإسقاطاتُها، فسلمت من القيل والتقوّل واللغو والتغوّل، وباتت أفقَ إشراقٍ مطمئن.
** تَحاورْنا (دكتور خالد الراجحي، ودكتور فهد العليان وصاحبُكم) حول الضعف المؤسف في لغة بني أبينا؛ نحوًا وإملاءً» إذ لم يقتصر على نشئنا بل امتد إلى منشئينا، ولم يعد اللحنُ عيبًا ولا الأخطاءُ مثلبة، ومع أننا غير اختصاصيين بعلوم اللغة، كما أننا ننتمي إلى قطاعاتٍ لا شأن لها بالأمر فقد آذتنا سلبيةُ الوسط الثقافي «تحديدًا» واتفقنا على بدء خطوةٍ عمليةٍ للإسهام بإيجابية نتمناها، وإن لم؛ فيكفي الجُهد والاجتهاد، وعزاؤنا في سُراةٍ سبقونا ويتلوننا «غرَّهم ويغرُّهم القمر».
** توطئةٌ لاستعادة تميز «نحوي-إملائي» في أجيالٍ وعت مستوى «معلميها وزملائها» قبل التراجع المؤسف الذي أصاب لغةَ القوم وضعُف معه ركنا العملية التعليمية «هذان» ويكملهما الكتابُ المقرر، ورعى الله زمنًا درسْنا فيه «النحو الواضح» للأستاذين علي الجارم 1881-1949م ومصطفى أمين (وهو معلمُ لغة عربية مصريٌ توفي في خمسينيات القرن الماضي وليس الصحفيَّ المعروف في دار أخبار اليوم المتوفى عام 1997م)، وما أملأَ ذلك الكتابَ أيسرَه وأمتعَه.
** درَّسَنا النحوَ في الصف الأول من المرحلة المتوسطة الأستاذ محمد الفحام رحمه الله (توفي -وفق معلومات شفاهية- عام 2011م في مدينته حلب)، وممن درَّسونا في الصفوف الثانوية أستاذانا: عبدالرحمن العلي التركي العَمْر 1933-2019م غفر الله له، وصالح السليمان العبيكي 1938م -حفظه الله-، ومع أن صاحبكم لم يدرس النحو بعدهما فقد كفياه و»شرحُ ابن عقيل» موقنًا أن مرحلة التأسيس في فترة الطلب الأولى هي الفاصلةُ الأهم، ويذكر الوالدُ أن الأثر الأكبر في انصرافه إلى دراسة النحو ومن ثم تدريسه يعود للشيخ محمد العثيمين -رحمه الله-؛ فقد كان ذا أسلوبٍ متميزٍ، وقد درَّس صاحبَكم مادة الفقه (كتاب البيع- زاد المستقنِع) في الصف الثالث المتوسط ورأى مقدرته الفذة على إيصال المعلومة ومراجعتها وتثبيتها.
** كان الكتابُ ذا قيمة، والمعلمون ذوي قامة، والطلبة أمام تحدياتٍ تتواءم معها استجاباتٌ بحجمها؛ فلم يكن التعليم ترفًا بل وعيًا بالغد؛ فإما العلياءُ وإما الغبراء، لكن معظم طلبة اليوم يفتقدون التحدي لإنقاذهم من التردي، ولعله يحفز هاجسنا الثلاثي -الذي أفضى المقال بإيماءة حوله- لتحقيق خطوة محدودة في طريقٍ ممدودة من أجل حماية الفصحى من جهل بعضٍ لا يقيمون أبجدياتِها، واغتراب آخرين لوثوها بأعجميتهم، ولهم حديثٌ آخرُ إذا أذن الله.
** اللغةُ انتماءٌ لا ارتماء.