خالد بن حمد المالك
أصيب اللبنانيون بإحباط شديد من منطق رئيسهم ميشيل عون، ومن أفكاره في ممارسة كل أنواع الاستفزاز، وجاء خطابه المنتظر مخيبًا لآمالهم، ليرسم أكثر من علامة استفهام حول موقفه من ثورة المحتجين في لبنان، وارتمائه في أحضان صهره جبران باسيل وأمين حزب الله حسن نصر الله، بما جعله بلا قرار، بلا استقلالية، وكأنه لا يزال رئيس حزب، لا رئيس كل لبنان.
* *
تحدث عن لبنان وكأنها ضيعة من أملاكه الخاصة، فطالب من لا يعجبه عهده من المواطنين أن يهاجر من البلاد، وقال عن صهره باسيل إن له الحق في قبول أو ترشيح نفسه إذا رغب في ذلك، دون أن يعطي الشعب الحق في قبول أو رفض ترشيحه، وادّعى أن مطالب المواطنين هي مطالبه، في استهتار ينم عن أن ما يهمه هو أن يظل في بعبدا رئيسًا للبنان، مهيئًا الفرصة لصهره باسيل ليكون خليفته القادم في رئاسة لبنان.
* *
أكبر غلطة ارتكبها المرشح السابق لرئاسة لبنان سمير جعجع رئيس القوات اللبنانية عندما انسحب من ترشيح تحالف 14 آذار له، وأيَّد ترشيح ميشيل عون، متيحاً الفرصة له ليكون رئيسًا لبنان، ومتوافقًا في ذلك مع عدم ممانعة تيار المستقبل، أو تحالف 14 آذار، ومستجيبًا لإصرار حزب الله على أن مرشحهم الوحيد هو عون، وعدم القبول بغيره، رغم ما كان يمر به لبنان آنذاك من فراغ كان يمكن لسليمان فرنجيه أن يملأه -وهو مرشح منافس لعون- لولا إصرار حزب الله على عدم القبول بأي رئيس للبنان فيما عدا عون، مما أضاع لبنان، وحرَّك اللبنانيين ليقوموا بهذه الانتفاضة النوعية وغير المسبوقة - وإن جاءت متأخرة- مقارنة باحتجاجات سابقة.
* *
يدِّعي عون أنه وصل إلى موقع الرئاسة لبناء دولة، لكنه يبرر فشله بأنه لا يملك السلطة الكافية لتنفيذ ما يريد، فهو -كما يقول- مكبل بتناقضات الحكم، وتناقضات في المجتمع، أي أنه يريد أن يكون بلا شركاء في إدارة شؤون الدولة، فلا رئيس وزراء ولا وزراء، ولا رئيس مجلس نواب، ولا مجموعة من النواب، بل وعلى المجتمع أن يكون متناغمًا وبلا تناقضات مع سياساته، وهي تمنيات لا يتردد الرئيس عون في البوح بها، ومن أن اتفاق الطائف قد جرَّد رئيس لبنان من بعض صلاحياته وسلطاته، ووزعها بين الرئاسات الثلاث، وبين مجلسي الوزراء والنواب، وكأنه يريد أن يكون رئيسًا مستبدًا ودكتاتورًا، وأن من لا يعجبه ذلك من المواطنين فعليه -كما قال في خطابه- الرحيل من لبنان إلى بلاد الله الواسعة.
* *
كانت ردود فعل المحتجين على خطاب عون الأخير، الذي افتقر إلى الحكمة، غاضبة ومندِّدة ومطالبة بأن (يفل) هو لا أن (يفلوا) هم من لبنان، ردًا على دعوته لهم بأن يهاجروا من لبنان، وقد لُوحظ أن الرئيس اللبناني كان متوترًا ومنفعلاً، ويفتقر إلى الكياسة والهدوء، متهمًا المتظاهرين بأنهم يطعنون لبنان بالخنجر، مع أنها ثورة سلمية، تجنب المحتجون فيها استخدام السلاح، أو التعرّض للأملاك، وطالبوا بالحماية من اعتداءات المتشدِّدين من حزب الله وأمل وحزب ميشيل عون وجبران باسيل نفسه.
* *
أمام ميشيل عون الآن فرصة ذهبية يجب عليه استثمارها، بأن يستجيب لإرادة الشعب، ويلبي مطالبهم، وبذلك يحمي لبنان من التدخل الإيراني الذي يقوده ويبشِّر به حسن نصر الله، وما لم يستثمر هذه الانتفاضة للخروج من الأزمة بأقل الأضرار للبنان، فإن عليه أن يستقيل، ويترك للبنانيين حق اختيار رئيس قادر على إدارة الأزمة، ومعالجة الأسباب التي تقودها الأحزاب، والقوى السياسية النافذة للإضرار بمصالح لبنان وشعبه.