د.محمد بن عبدالرحمن البشر
قُتل أبو بكر البغدادي زعيم داعش، وزعيم الإرهاب، وقُتل خليفته، وقُتل جمع من معاونيه وبقي اثنان في الأسر، قُتلوا على يد جنود من الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك نصراً كبيراً لأمريكا والمجتمع الدولي المحارب للإرهاب، ونصراً لشعوب الأرض قاطبة، وقبله قُتل أسامه بن لادن، وابنه حمزة، وجمع غفير من أعوانهم.
قُتل قادة الإرهاب، وقُتل أفراد إرهابيين لكن بقي فكر الإرهاب وأيدولوجية حيّة لم تمت، رغم النشاط العالمي الكبير لاستئصال ذلك الفكر، الخطوات الناعمة والصلبة التي استخدمتها كثير من الدول، وعلينا أن نكون منصفين في القول بأن الإرهاب أخذ في الأفول، وأن الخطوات العالمية التي تم تبنيها قد أسفرت عن نتائج ملموسة لكنها غير كافية، لأن الأيدولوجية تقبع في الفكر، وتتخطى الحواجز والحدود.
عندما بدأت حرب العراق، وانتشرت الفوضى أخذت هذه العصابة الإرهابية في التكوين مستغلة الظروف الاجتماعية والسياسة ومستمدة فكرها من القاعدة في أفغانستان فهي امتداد لها، وجزء لا يتجزأ منها، وإن اختلف قادتها على الرئاسة والغنيمة، وهم خليط من الفقراء والأثرياء، والأذكياء والأغبياء، والجهلة والعلماء، يحبون الحياة كما نحبها، ويكذبون إن قالوا إنهم لا يرغبون في دنياهم، وإنهم يجاهدون لأجل أخراهم، وقد يكون ذلك ممكناً عند قليل من الأتباع، لكن قادتهم ومَن حولهم ينظرون إلى واقعهم الدنيوي، لينالوا مزيداً من الثراء، والرئاسة والنساء والسبايا.
الإرهاب الذي تبناه أبوبكر البغدادي هو نسخة من سلفه من الإرهابيين في أفغانستان مثل: أسامة بن لادن، والظواهري، وغيرهما كثير، ومعتنقوه والمتعاطفون معه، والجاهزون لركوبه، يظهرون بشكل جلي في فترة ضعف الدول، حدث ذلك في الصومال، والعراق، وسوريا، وليبيا، ومالي، ونيجيريا، وكل مرة يمد عنقه ليستكشف مقدار قوة أي دولة بإثارة بعض الأحداث هنا وهناك، فإذا ما رأى قوة الدولة انكافأ وعاد إلى سباته دون أن يموت، وإذا ما رأى أن الساحة متاحة لانبعاثه استيقظ، وأخذ في ممارسة نشاطه الإجرامي دون كلل، والغريب أن مجموعاته تتكون بشكل سريع، كما حدث في العراق وسوريا.
خرج علينا اسم جديد بديلاً لأبي بكر البغدادي وهو أبو بكر الهاشمي، وتناقلت وسائل الإعلام اسمه، وحتى الآن فإن المعلومات شحيحة عن الوجه الإرهابي الجديد، لكن من المؤكد أنه سيكون نسخة لمن سبقه، فهم في الفكر واحد، والقواعد واحدة.
والسؤال الكبير كيف للعالم أن يزيل هذا الفكر الإرهابي، طالما أن العالم أجمع يراه خطراً عليه، وهناك من يرى البيئة، أو التربية، أو التعليم، أو بعض المدارس المتخصصة، أو الفقر، أو الظلم أو الفروق الاجتماعية، أو الجهل، أو عدم إشباع الغرائز، أو الانقياد الأعمى، أو الموروث الاجتماعي، أو التكوين النفسي، وغيرها كثير، والحقيقة أنها جميعاً، أو أكثرها، أو بعضها، أو عدد محدود منها قد يكون سبباً لذلك، فإذا سهل التشخيص سهل العلاج، لكن هيهات أن تجد داء بعينه، حتى يمكن معالجته، فالداء خفي، ووسائل الاستكشاف مبهمة حتى الآن، رغم الجهد الجبار الذي تبذله الدول، والأفراد، والمؤسسات العلمية والإعلامية والمحلية في كل بلد، والعالمية أيضاً.
علينا إلاَ ننسى أن قنوات التواصل الاجتماعي وسيلة تم استغلالها لنشر هذا الفكر، وللتواصل بين أفراد هذه النهج الإرهابي وقادته، وأيضاً تجييش الشعوب، ومن ثم استغلالهم لوضع موطئ قدم، ومن ثم الانطلاق لتنشر هذا الفكر، وحث الأفراد على الانضواء تحت لواء قادته، ومن ثم التنفيذ ليكونوا وقوداً لنار أشعلها قادة ذلك الفكر، ولهم دراية بكيفية رعاية مجاميع تابعة لهن تأمرهم، وتصبح أسيرة توجيهاته مدفوعة بمبادئ عشعشت في عقولهم، لا يحيدون عنها قيد أنملة.
لا أحد يعلم متى يتلاشى، ولا أحد يعلم كيف يتلاشى، لكن من المؤكد أن هناك حرب عالمية عليه، وأنه آخذ في الانحسار، وأن العالم سوف يقضي عليه في فترة قادمة.