د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
تحت عنوان «الاسمُ والوسم» كتب صاحبُكم بتاريخ 31 ديسمبر 2016م مقالة في «صحيفة الجزيرة» عن أستاذنا الدكتور أسعد سليمان عبده اختتمها بعبارة: «التميز إنسان»، ولعل هذه الكلمات الأربع التي عنونت المقالة واختتمتها تلخص رؤيته حول هذا الرمز العلمي الكبير؛ فاسمُه هو وسمُه يُشعان بالسعادة لمن يرقبُه فكيف بمن يعرفُه وماذا عمن يألفه! وتَميُّزه شارةٌ في شخصه، وإشارةٌ نحو نصه، وكذا يشهد له العمل الصامت النائي عن تعمد «الصخب» واستجلاب «النشَّب»، وهما معيقان للحضور الفاعل؛ فمن يعشْ في الضجيج يُعشِه، ومن أهمَّته المادةُ تعب، وأستاذنا «أبو أيمن» احتوى تقدير الجميع بهدوئه ومهْنيته وتواضعه وعطاءاته.
لا يزعم صاحبُكم التصاقه بأستاذه؛ بل ربما كان من آخر من عرفهم أو عرفوه، ومن أقلِّ من وصلهم أو وصلوه، لكنه يجزم أنه قد تابعه مذْ كان الدكتور أسعد ذا مكانٍ ومكانةٍ في جامعته وبين نظرائه، وصاحبكم طالبَ جغرافيا في أولى خطواته، ولما لم يكن في كليته ولا تحت إشرافه فقد قرأ منجزاته واعتنى بها بحكم التخصص الذي جمعهما فسار فيه جزءًا من مشواره العلمي «العالي فالتمهيديّ للدراسات العليا» ثم عدل عنه حين اختاره معهدُ الإدارة «للإعادة» فاختصَّ بمسارٍ مختلف.
ولا يرى تكرارًا استعادةَ شيءٍ مما كتبه عن أستاذه لتتضح ملامحُ العلاقة الحميمة بينهما بالرغم من أنهما لم يلتقيا إلا في مناسبات عامة محدودة، وليس أرقى من مثل هذه الوشائج المبرأة من إملاءات المصلحة أو الهوى، ومما جاء في المقال:
(من الرعيل الأكاديمي الأول الذي التفت إلى دراسة الجغرافيا وقتَ أن كانت بعض الهيئات العلمية تسميه «تقويم البلدان» تورعًا أو تحرجًا؛ فتخرج في جامعة الملك سعود ثم في جامعة «درم» مواصلاً عمله البحثي والتدريسي والإداري والشورِيّ ومركزًا على العلاقة العضوية بين الاسم والمسمى ومشاركًا في لجان محلية وعربية ودولية تعتني بتحقيق الأسماء وتوثيقها ورصد الأوهام والأخطاء حولها.
ألَّف في تحقيق أسماء الأماكن ما أضاف إلى جهود أبرز روادها من جغرافيي المدارس غير النظامية، وأضاء ما يختص بالجانب الإملائي عند النقل من اللغة العربية أو إليها، ورصد تصحيفاتٍ مخلةً في بعضها، ووعينا من بحوثه: «أوجه الاختلاف في كتابة اسم المكان الواحد، وتأثير القدرة الإملائية في رسم الأسماء الجغرافية، وكتابة اسم المملكة وعاصمتها، وتصحيح الأسماء الجغرافية المدونة على خرائط المملكة»، كما فهرس كتاب «صحيح الأخبار للشيخ ابن بليهد»، وفاز بجائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج عن كتابه «معجم الأسماء الجغرافية المكتوبة على خرائط المملكة»، ونادى بأهمية تحقيق العدل في منح الجوائز وأهمية ضبط معايير منحها كما منعها.
أعطى الأستاذ الدكتور أسعد سليمان عبده أستاذ الجغرافيا في جامعة الملك سعود وأمينها الأسبق وعضو مجلس الشورى في دوراته الأولى تهجئة الأسماء عنايةً خاصةً ليقينه أن اختلاف المنطوق كما المكتوب ذو تأثيرٍ على سوء تناقل الاسم وإمكان الخلط فيه، وفي محاضرة له أشار إلى أستاذ جامعي وضع اسم «أرجا» قاصدًا «عرقة»، وقال: إن أسماء الأماكن جزء من التراث، مثلما أشار إلى العوامل المؤثرة في تغييرها، وأهمها أن معظم من رسموا الخرائط ليسوا من أهل البلاد فدونوها بحروفهم كما سمعوها أو وعوها، وعند تعريبها من كتاباتهم طالها التحريف، وقد صدق أستاذنا فما يزال الموضوع غيرَ محسوم من جهةٍ متخصصةٍ تتولى تثبيت كتابة أسماء الأماكن بالحروف العربية واللاتينية، ويكفي أن نرى اسم «مكة» ذا تلاوين متعددة، وربما طال تلوينًا منها معنىً غيرُ مقصود، وحين ألف «جيمس بد» كتابه «العاشرة والنصف عصرًا؛ رحلة إنجليزي من عنيزة إلى مكة» أورد عددًا من صور كتابة «عنيزة» بالإنجليزية واعتمد واحدةً غير مألوفة.
يمتاز الأستاذ الدكتور أسعد فوق علمه بجمال تعامله ورهافة ذوقه وهو ما يجعل مجالسته ثراءً معرفيًا وخُلقيًا؛ فندعو له، كما نتمنى قراءة سيرته بين المدينة والرياض ودرم والجامعة والمجلس وما بينها من مسافات ومساحات...) انتهى.
حظي المقال في وقته بتفاعل جميل اتكاءً على مكانة الدكتور أسعد وقيمته، وعقَّب الأستاذان الدكتوران: يحي أبو الخير وغازي المكي وسواهما بما أضفى على رؤية صاحبكم البعيدة رؤىً قريبةً اكتمل بها مشهدٌ واحدٌ لهذا العلم العامل في جانبٍ من جوانب حياته المضيئة والممتدة صحة طيبةً وعمرًا عريضًا، وليت مَن يفكرون بذكرهم يقتبسون ملامحَ من فكرٍ نقيٍّ وذكرٍ حفيٍّ فكلُّ شيء سيرحل إلا هما.
شكرًا للجمعية الجغرافية السعودية احتفاءها برواد الجغرافيا وأعلامِها، واختصاصَها أستاذنا الدكتور أسعد عبده بمفتتح إصداراتها؛ فهو يتوِّج جهودَها مثلما هي تُتوجُهُ ليصبحَ الأولَ كما الأولى.