مها محمد الشريف
بعد موجة غضب عارمة بين المتظاهرين، أصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية توضيحاً عقب لقاء الرئيس ميشال عون في مقابلة تلفزيونية جاء فيها «اللي مش عاجبه يهاجر»، ثم ورد بعدها التالي: «توزع وسائل إعلامية ووسائل تواصل اجتماعي كلاماً محرّفاً من حديث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول الفقرة المتعلقة بوجود قائد للحراك الشعبي ورد فيها: «إذا مش عاجبهم ولا حدا آدمي بالسلطة يروحوا يهاجروا».
لا شك أن دعوة الرئيس عون بالرحيل والهجرة، في حال لم يجدوا في السلطة شخصية «آدمية» (محترمة) للحوار معها، إشارة إلى ضخامة الأزمات الداخلية والافتقار إلى قيادة سياسية كاملة قادرة على النهوض بأعبائها، وترك زمام الأمور يفلت من أيديهم، نتيجة لإرث من تدخلات قوى من خارج البلاد شكلت الحكومة.
من هنا يأتي تعزيز الشعور القومي للشعب عندما يشعر بتهديد أمنهم واستقرارهم والتبعات التي تأتي بعد ذلك، ثم بدأ التركيز على قضية تستهلك الكثير من الوقت على حساب المطالب الأساسية، ويستغرق تناولها إعلامياً وقتاً ليس بالقصير، وإلى جانب هذا كله، ثمة وسائل أخرى من الحكومة تثير الجدل حولها. لاسيما أن أحد أهم وسيلة فيها هو صرف الأنظار عن الثورة ولغة الشعارات الاحتجاجية.
لقد ساهم الظهور الإعلامي لأعضاء حكومة لبنان في تجييش الشارع ضدهم أكثر فأكثر، في عمل متزايد الحدة يتواصل ضمن مساره في سلسلة كاملة من الإخفاقات، وكان العيب فيما يتعلق في الأهداف السياسية الخاطئة وغير المنظمة، شارك في التصاعد للأزمة، ربما كان هذا الظهور الإعلامي المكثف لتهدئة الشعب وطرح الخيارات وسيطرة إيجابية تربط بين الأسماء في الحكومة لتحمل عبء المسؤوليات، بغية الوصول بالبلاد إلى بر الأمان بعيداً عن حرب أهلية وإحداث التغييرات المطلوبة، لكن كل مسؤول كان يقدم خطبة دعائية بعيدة عن النضج السياسي.
إن الضمانة التي لا غنى عنها في مثل هذه الكارثة الوصول إلى قرارات ضرورية سياسية واقتصادية تصب في اتجاهات محددة تفرضها الكياسة المتبادلة بين الأحزاب، ومحاولة استعادة السيطرة على الموقف الخطير الذي يصعب الخروج منه بوعود على منصات الإعلام، لن يستطيع اللبنانيون تغييره بسهولة.
إن الحراك القائم في لبنان أجاب عن كل التساؤلات، بأن النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية أصبح مكبلاً للدولة اللبنانية وطموحات شعبها، ولذلك خرج الشعب بشعار «كلن يعني كلن»، والتي تعني المطالبة بنقل لبنان إلى دولة ذات حكم مدني ديموقراطي وليس طائفياً فهل سيتمكن اللبنانيون من تغيير النظام السياسي سلمياً أم أن الحرب الأهلية ستعود من جديد لتحدث هذا التغيير؟ علماً بأن النظام القائم لا يصل للعمل الحكومي القيادي، لذا الأنظمة مفصلة على الطوائف وليس على مقاس مصلحة لبنان الدولة وشعبها وتطلعاته.