د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
نفتخر بنقوش بدائية تركها أجدادنا على الصخور، ونفتخر أيضًا بفنوننا الإسلامية من خط ورسم ومعمار التي تعكس حضارتنا وتطور وجداننا عبر التاريخ، بل إننا حرصنا أن نزين مقدساتنا بطرز معمارية إسلامية تزيدها هيبة واحترامًا إضافة لقدسيتها. وبما أن لكل زمان دولة ورجالاً، فلكل زمن فن وفنانون. ولست بحاجة هنا لأن أعيد التأكيد على أهمية الفن المعاصر بكافة أشكاله التي اختلفت مسمياته لأبعاده المختلفة واتفق الجميع على أنه يدخل في تشكيل كافة مناحي حياتنا، فالمجتمعات الإنسانية هي مجتمعات فنية جمالية بامتياز. فيطلق عليها أحيانًا «الفنون البلاستيكية» وتشمل الرسم، والنحت، والخزف، والتصميم، والديكور نسبة للمواد التي تدخل غالبًا في تركيبها؛ أو «الفنون البصرية» لأنها تعنى بإمتاع البصر، أهم حاسة إنسانية، بجمال ما حوله بإضافة الجمال الإنساني إلى الجمال الطبيعي، أو «الفنون التشكيلية» لأنها تعيد تشكيل العالم من حولنا وتظهره بشكل جديد مدهش.
ويلاحظ المراقب اليوم ازدهار الفنون التشكيلية بشكل كبير في المملكة وبروز فنانين شباب مبدعين يواصلون المسيرة الفنية للرواد الأوائل. فأصبح لنا جيل طموح من الفنانين بثقافة جديدة تحدوها روح المغامرة وتجريب مفاهيم فنية عصرية جديدة تسهم في توثيق تواصل المملكة مع الخارج بلغة الفن، اللغة العالمية التي تفهمها جميع الشعوب. وفي زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمملكة أحضر معها لوحة شهيرة لفاسيلي كاندنسكي لعرضها في المملكة في الفعاليات الثقافية التي أقيمت على هامش الزيارة لقيمتها الفنية العالية، وغادر بوتين المملكة بهدية قيمة من خادم الحرمين الشريفين، أطال الله عمره، تمثلت بلوحة قيمة من أعمال الفنان علي الرزيزا. ولا حاجة للتذكير بأن المعارض الفنية تجوب عواصم الدول في احتفاليات ثقافية وفنية كبرى.
وتفتخر كافة الشعوب بفنونها فهي ما يعكس تطورها ورقيها، ولذا فهي تقيم متاحف فنية في عواصمها في أجمل المواقع وأجمل البنايات التاريخية وعلى وجه الخصوص متاحف للفنون التشكيلية. ومن المعتاد أن أول استفسارات السائح عند زيارة بلد ما تكون عن مواقع المتاحف، حيث يجد السائح في رقعة صغيرة نسبيًا امتدادًا ثقافيًا، وجماليًا، وحضاريًا لا حدود له. وللمتاحف أيضًا قيمة تثقيفية وتعليمية كبيرة، فلا يمكن عمليًا تدريس الفن في المدارس من دون متاحف يزورها الطلاب. وإذا كانت المتاحف مشهورة ومعروفة فهي تشكل مصدر دخل سياحي كبير لكثرة الزوار وارتفاع التذاكر. وأهم من هذا وذاك تعد المتاحف أهم حواضن الحفاظ على التراث الفني سواءً من الضياع أو الخروج لمتاحف خارجية أخرى.
وسبق أن كتبت مقالات في الأعوام التي خلت أنوه فيها لضرورة إنشاء متحف للفن في الرياض، العاصمة العربية الضخمة التي لا يوجد فيها أي متحف للفنون التشكيلية!! وبشرنا مؤخرًا سمو وزير الثقافة بقرب إنشاء متحف للفن التشكيلي. وأتذكر أني قرأت قبل عام في صحيفة الجزيرة ليوم 29 - 6 - 2018 م مقالاً جميلاً ضافيًا للدكتور الفنان المخضرم محمد الرصيص موجهًا لسمو وزير الثقافة بهذا الخصوص. حيث يرى الدكتور محمد أن وجود متحف للفن التشكيلي يعد أمرًا ضروريًا للنهوض بهذا الفن. والدكتور محمد، إضافة لكونه فنانًا قديرًا وناقدًا فنيًا ملمًا بكافة مدارس الفن، وصاحب الكتاب الوحيد عن الفن التشكيلي السعودي، متخصص بحكم الدراسة في إنشاء المتاحف ليس فقط من حيث المباني، ولكن أيضًا من حيث الإدارة، والأنشطة الأخرى التي تمارسها عادة المتاحف، كالمعارض، والبيناليات، التي تسهم في دعم الحركة الفنية وانتعاش المتاحف.
وكما يقال، «أعط الخبز خبازه» ولن أكمل العبارة لأنها تنطبق على الدكتور محمد فهو حتمًا سيضيف لأي عمل يوكل له ولن يضيع نصفه. فإنشاء متحف للفن التشكيلي السعودي يتطلب إشراك أمثال الدكتور بحكم التخصص وفنانين وأكاديميين من ذوي الخبرة كالفنان علي الرزيزا، والدكتور سلطان الزياد وغيرهما. فليس أكثر منهم حرصًا على نجاح هذه المشروع المهم الذي طال انتظاره، بل نستطيع القول إنه تأخر كثيرًا وبشكل لا يقبل التأجيل.
وفي الختام أود أن أقدم تحية خاصة لجميع فنانينا من مختلف الأجيال على ما قدموه من أعمال فنية جميلة كثير منها ذهب لمقتنين خاصين مما حرم العامة من مشاهدتها أو الاستمتاع بها، وقليل منها اختفى أو اندثر لجهل الناس بقيمته، وبعضها وجد طريقه للخارج ربما بلا رجعة. ونكرر الشكر لسمو وزير الثقافة سمو الأمير بدر الفرحان لتبنيه فكرة إقامة المتحف ونتمنى الإسراع بها، ويمكن اختيار أحد القصور غير المستخدمة التابعة للدولة، أو التي يتبرع بها أصحابها كمقر مبدئي للمتحف كي يبدأ المتحف في إنشاء هيئة الإدارية، واقتناء الأعمال المهمة التي يخشى عليها من الضياع ومنها أعمال مبعثرة في جدران بعض الوزارات. فكثير من المتاحف العالمية هي بأسماء من تبرعوا بمقراتها من المقتدرين.