عبدالعزيز السماري
حسب وجهة نظري، تشكِّل ظاهرة ارتداء الملابس التقليدية في أماكن العمل عائقًا عند أداء المهمة الوظيفية؛ فالقطع التي يلبسها الموظف تحتاج إلى توازن عجيب من أجل الحفاظ عليها في نمط متفق عليه في الثقافة الاجتماعية، ولو حدث أن ظهر فراغ في طريقة لبس العُقُل يستغرب الآخرون؛ فهو حتمًا يُعتبر خرقًا للمظهر العام.
من الخطأ اعتبار الملابس جزءًا من الهوية الوطنية؛ فالاختلاف في ألوانها وطرق لبسها واضح للجميع بين مختلف مناطق المملكة، ولعلها أحد العوائق التي تمنع الدخول في كثير من الأعمال اليدوية؛ فهي تمثل هيبة عندما يلبسها البعض.
من أسباب نجاح ثقافة العمل في الشركات الكبرى، مثل أرامكو وسابك، تخليهم عنها في أماكن العمل، ما عدا مقار الإدارة، مع أن الإدارة الفنية جزء من ثقافة العمل، ولكن مع ذلك يتميز المهندس والفني المتحرر من الملابس التقليدية بقدرته على الاندماج في العمل.
لهذا سنظل نواجه أزمة في تحوُّل المواطنين إلى أعمال الصناعة والإنشاءات إذا استمر اعتبار اللباس التقليدي من شروط الدوام في العمل، وهو أمر يحد من القدرة على الإنتاج؛ فالملابس تعني الأنفة والسمو؛ وهو ما يحد من حركته وعمله وتفكيره.
قاوم بعض الأطباء في المستشفيات كود الملابس المعتمد، واستمر في العمل في كامل زينته التقليدية، وشكَّل ذلك عائقًا أمام مرضاه من سقوط للعقال أثناء الفحص السريري، إضافة إلى بطء حركته. ولا أنسى تلك المشاعر الفوقية التي تظهر عندما يظهر في عيادته في كامل زينته.
ربما حان الوقت إلى كسر تلك المتلازمة بين اللباس والوطنية، وتقديم السعودي الجديد في هيئة المهني والمهندس والطبيب والعامل المتخصص، وليس في هيئة شيخ القبيلة، وربما يعد هذا النمط من التفكير أحد أهم العوائق التي تقف ضد التطوُّر.
خلال العقد الماضي عادت ظاهرة «التبدون» بين الجيل الجديد؛ فالمطلوب الأهم حاليًا ليس مهندس أساليب ونظم أو طبيبًا، ولكن شاعرًا يقول كلماته بلهجة البادية، وفي يده اليمنى مسباح لا نهاية له، يحركه في كل اتجاه أثناء إلقاء قصيدته. هذه إضافة إلى أن هذا النموذج هو الأكثر تبجيلاً في الإعلام، وليس ذلك المواطن الذي يعمل وينتج على مدار العام.
ربما هي عقدة الشهرة عند بعض النخب؛ فكثير منهم تحول إلى هذه الساحة لأنه لا يستطيع خوض بيئة العمل مثل الآخرين؛ وهو ما جعل منها مثالاً يحتذى. وتلك أزمة تحتاج إلى مراجعة من قِبل المخططين لمستقبل هذه البلاد. ولا بد من إعادة نموذج الإنسان العامل والمبدع إلى واجهة الإعلام والتواصل.
مكانة اللباس المركّب في العمل تحديدًا لها علاقة بذلك الزهو والفخر؛ وهو ما يُعتبر عائقًا أمام الوصول إلى الطريق السريع والمؤدي إلى مكانة النمور الآسيوية مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة. وإذا لم نفكر بصوت عالٍ لإحداث التغيير سنظل ندور حول الفخر الجاهلي والنعرات الماضوية.