د. أحمد الفراج
بعد أن انتهت سلسلة رؤساء أمريكا، نواصل التطرق لبعض المفارقات العجيبة، كختام لهذه السلسلة، فمن كان يتصور أن الطفل النحيل، إبراهام لينكولن، الذي نشأ وترعرع في ريف ولاية كنتاكي الزراعية، سيكبر ويصبح زعيمًا عالميًا، فهو الطفل الفقير، الذي كان يمشي عدة أميال لمدرسته الابتدائية، وبهذا الخصوص، يحكى أن والدًا أمريكيًا قال لطفله من باب التشجيع والتقريع: «إن لينكولن كان يمشي مسافة طويلة لمدرسته»، فرد الطفل مُعيّرا والده: «وعندما كبر لنكولن وصار بعمرك يا أبي أصبح رئيسًا لأمريكا»، ولأن طموح لينكولن كان كبيرًا، فقد عمل على نفسه، وأصبح سياسيًا وخطيبًا يشار له بالبنان، واستطاع أن يفوز برئاسة أمريكا، في عام 1860، خلال واحدة من أحلك المراحل في التاريخ الأمريكي، ولم يملك الرؤساء الستة، الذين جاؤوا قبله، الشجاعة لمواجهة مسألة الرق، التي تصدى لها بشجاعة منقطعة النظير.
دخل لينكولن التاريخ، ومنذ رحيله، وهو المثل الأعلى لمن جاء بعده من الرؤساء، سواء كانوا من حزبه الجمهوري، أو من الحزب الديمقراطي، فهو أيقونة سياسية يصعب تجاوزها، ولعلكم تذكرون كيف كان باراك أوباما يتحدث عنه، وأوباما بذلك يقلد معظم رؤساء أمريكا، الذين خلفوا لينكولن، إِذ يندر لا يتحدث أي مرشح رئاسي عن لينكولن، كإستراتيجية تجميلية، تصبغ المرشح بصبغة رجل الدولة الحقيقي، الذي يستطيع تغيير مجرى التاريخ، أو على الأقل يقول المرشح للناخبين بطريقة غير مباشرة أنه قرأ تاريخ لينكولن واستوعبه، وبلغت المنزلة العليا للينكولن في مخيلة الشعب الأمريكي درجة أن الشعب يستهجن أحيانًا تشبيه بعض الساسة أنفسهم به، ولا أظن أن لينكولن نفسه كان يدرك قيمته الحقيقية، إِذ لم يتبين الجميع تلك القيمة إلا بعد رحيله، فما صنعه غيّر وجه أمريكا والعالم معها تجاه استرقاق الإنسان لأخيه الإِنسان، وخلاصة القول هي أنه لو أن أحدًا قال لوالديّ لينكولن، عندما كان طفلاً فقيرًا في تلك المزرعة النائية، أن ابنهما سيصبح زعيمًا يغيّر وجه التاريخ، لربما نهراه، بحجة أنه يسخر منهما ومن طفلهما النحيل!.