«الجزيرة» - واس:
تمثل العلاقات السعودية - الإماراتية ضمانة قوية للأمن القومي الخليجي والعربي بوجه عام، بالنظر إلى تطابق وجهات النظر في البلدين الشقيقين تجاه مجمل قضايا المنطقة، وتعاونهما البنَّاء والمثمر في التعامل مع التحديات التي تواجهها، وفي مقدمتها التصدي لخطر التطرف والإرهاب، والقوى والأطراف الداعمة له، ومواجهة التدخلات الخارجية في دول المنطقة. وترتبط المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ودولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة أخيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان -حفظهما الله-، بعلاقات تاريخية قديمة، قِدَمَ منطقة الخليج نفسها، ضاربة في جذور التاريخ والجغرافيا، تعززها روابط الدم والإرث والمصير المشترك، وحرص قيادتي البلدين على توثيقها باستمرارها وتشريبها بذاكرة الأجيال المتعاقبة، حتى تستمر هذه العلاقة على ذات النهج والمضمون، مما يوفر المزيد من عناصر الاستقرار الضرورية لهذه العلاقة، التي تستصحب إرثًا من التقاليد السياسية والدبلوماسية التي أُرسيت على مدى عقود طويلة، في سياق تاريخي، رهنها دائماً لمبادئ التنسيق والتعاون والتشاور المستمر حول المستجد من القضايا والموضوعات ذات الصبغة الإقليمية والدولية، لذا تحقق الانسجام التام والكامل لجميع القرارات المتخذة من الدولتين الشقيقتين في القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك. وأسهمت المملكة والإمارات في قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكانت مواقفهما متطابقة تُجاه القضايا العربية المشتركة، كالقضية الفلسطينية والوضع في مصر وسوريا والعراق واليمن، والعلاقات مع إيران في ظل احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، علاوة على موقفهما المتطابق من الغزو العراقي لدولة الكويت، إضافة للتدخل الإيراني في الشؤون البحرينية.
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- منذ أن كان أميرًا لمنطقة الرياض، من الداعمين للعلاقات التاريخية بين المملكة والإمارات، حتى تولى -حفظه الله- مقاليد الحكم في البلاد، حيث لا تزال المملكة متمسكة بمنهجها الثابت في الحفاظ على علاقاتها الأخوية مع دول المنطقة، ودعم اللحمة الخليجية، وبالمقابل تسعى دولة الإمارات إلى تعزيز هذا الموقف، إذ أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة في أكثر من مناسبة أن العلاقات الإماراتية السعودية تجسيد واضح لمعاني الإخوة والمحبة والروابط التاريخية المشتركة. وتحولت العلاقات الثنائية بين البلدين خلال العقد الأخير إلى نموذج لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدول العربية، ومثالًا على الوعي المشترك بطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية المحيطة، وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة. وتؤمن دولة الإمارات بأن المملكة العربية السعودية تشكل صمام أمان الأمة وحاملة راية الدفاع عن مصالحها ضد جميع الأطماع والمشاريع التي تهدف إلى شق وحدة الصف العربي. وشهدت العلاقات الثنائية نقلة نوعية تمثلت في حرص القيادة في كلا البلدين الشقيقين على مأسسة هذه العلاقات من خلال تأسيس لجنة عليا مشتركة في مايو 2014 برئاسة وزيري الخارجية في البلدين، وقد عملت هذه اللجنة على تنفيذ الرؤية الإستراتيجية لقيادتي البلدين للوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمنًا واستقرارًا لمواجهة التحديات في المنطقة، وذلك في إطار كيان قوي متماسك بما يعود بالخير على الشعبين الشقيقين ويدعم مسيرة العمل الخليجي المشترك. وفي الشهر نفسه من عام 2016 وقع البلدان على اتفاقية إنشاء مجلس تنسيقي بينهما يهدف إلى التشاور والتنسيق في الأمور والقضايا ذات الاهتمام المشترك في المجالات كافة، حيث نصت الاتفاقية على أن يجتمع المجلس بشكل دوري، وذلك بالتناوب بين البلدين.
وفي يونيو 2018 رفعت المملكة العربية السعودية ودلة الإمارات مستوى العلاقات الثنائية بينهما إلى مراحل غير مسبوقة اشتملت على رؤية مشتركة للتكامل بين البلدين اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً عبر 44 مشروعًا إستراتيجيًا مشتركًا ضمن «إستراتيجية العزم» التي عمل عليها 350 مسؤولًا من البلدين من 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية وخلال 12 شهرًا. وأسهمت العلاقات الثنائية بين البلدين في تعزيز أمن واستقرار المنطقة والعالم، خاصة أن تاريخهما يمتلئ بالمبادرات لتسوية الخلافات العربية أو لدعم الدول العربية حيث تحمّلا العبء الأكبر في التصدي لحركة الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين الشقيقة في مارس عام 2011، وقادا تحركًا عاماً لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بإرسال قوات «درع الجزيرة» إلى مملكة البحرين، انطلاقًا من الاتفاقيات الأمنية والدفاعية الموقعة بين دول المجلس، وهو الأمر الذي كان له عظيم الأثر في إعادة حفظ الأمن والاستقرار إلى مملكة البحرين.
وللبلدين دور محوري في الحفاظ على التماسك داخل منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي هذا السياق جاء القرار الذي اتخذته كل من الإمارات والسعودية ومعهما مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية في الخامس من شهر يونيو 2017، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر بعد استنفاد كل المحاولات الدبلوماسية لإعادة قطر إلى الإجماع الخليجي والعربي، وبعد أن فاض الكيل جراء سياساتها ومواقفها الأخيرة التي تنطوي على تهديد واضح للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.
ويحسب للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات أنهما كشفتا الأدوار التخريبية التي تقوم بها إيران في زعزعة أسس الأمن والاستقرار في المنطقة ولعل مخرجات القمتين الخليجية - الأمريكية، والقمة الإسلامية - الأمريكية بالرياض في شهر مايو 2017 تؤكدان ذلك بوضوح.
وجاء التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية والذراع الإماراتية القوية مدعومًا من دول المنطقة ليسطر بداية تاريخ جديد للمنطقة يكتبه أبناؤها بأنفسهم ويبدأ بعودة الشرعية إلى اليمن وهزيمة المخطط الخارجي الذي يهدف للسيطرة على اليمن والذهاب به إلى أتون الخلافات الطائفية والمذهبية لخدمة أهداف خارجية لا يزال يراود أصحابها حلم السيطرة والهيمنة. ونوَّه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، خلال رعايته -أيده الله- أخيراً لمراسم توقيع وثيقة اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، بحضور فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، بما قدمته دولة الإمارات من تضحيات جليلة في ساحات الشرف مع جنود المملكة البواسل وزملائهم في بقية قوات التحالف. وقال سموه ولي العهد: «لقد كان شغلنا الشاغل منذ أن بدأت الأزمة اليمنية هو نصرة الشعب اليمني الشقيق، استجابة لطلب رئيسه الشرعي وانطلاقاً من مبدأ الدفاع عن النفس، ولوقف التدخلات الخارجية التي تسعى لفرض واقع جديد عليه بقوة السلاح، والانقلاب على شرعيته ومؤسساته، وتهديد أمن جيرانه وأمن المنطقة وممراتها المائية الحيوية للعالم كله».
وانضم البلدان إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، حيث شاركا في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في عام 2014، كما تقوم المملكة والإمارات بدور محوري ورئيس في الحرب الدولية ضد التطرف والإرهاب، خاصة فيما يتعلق بالتصدي للجوانب الثقافية والفكرية، وهي جهود تحظى بتقدير المجتمع الدولي أجمع.