د. خيرية السقاف
لقد قُنِّنت ضوابط وعقوبات الفساد، وعرف الناس الآن جميع القنوات التي يتجهون إليها للإبلاغ عن أي مسلك فساد، أو مفسد، بالدليل والمكان، والعين والشهود..
ذلك لأن المفسد بفساده يعتدي على ما ليس له بتفريط، أو سطوة، أو هدر، أو اعتداء، أو استغلال ...
والفساد ثمرة النفوس، حيث تُفسد إما عن طريق وضع اليد على ما ليس للإنسان، بكل ما يعني وضع اليد على مال ليس له، أو سلطة يتولاها، أو حق مكلف بأدائه فيفرط فيه، أو قرار يتخذه وفق صلاحيته دون مشروعية وكل هذا النوع من الفساد أصله مادي، ونتائجه تختلف..
هذا الفساد له قوانين ردعه، وسبل مكافحته، ومراجع عقوبته.. بينما النفوس تُفسد في مسلكها، أفعالها أيضاً إن عادت نتائج فسادها إليه، وعليه المفسد ذاته دون أن يبلغ ضرره الآخر فهو منوط بما أفسده وبنتائجه.. أفعاله الخاصة تعنيه ولا تحميه..
لكن حين يقع فساد نفسه على الآخر فإنما هناك صنفان لفساده، أحدهما له عقوبة شرعية حين يزهق روحاً، أو يجرح عضواً، أو يفقأ عيناً، في جسد مادي يتحرك فالعقوبة قصاص رباني، وتعزير بشري تقرّه النظم شرعاً ووضعا..
أما حين يكون فساده غير مادي ملموس كجرح الآخر بالقول، وقتله بالإيلام، والاعتداء عليه بالحركات، والأوامر بما لا يُستطاع، والمنع عن المستطاع، والتكليف المهين، والحرمان من التقدير، وكل فساد سلوكي فردي يمس مشاعر البشر في أعمالهم، وحيث يكونون، يتغلب به عليهم المفسد بوضع القدرة، فيحملهم من ألم النفس، ووخز القلب، وجرح الذات ما يعجزون عن المطالبة بعقوبته من البشر فلا قانون يردع مفسداً سيئ التعامل، كريه الخُلق.
إنه الفساد الأعظم هذا الذي لا دليل له فيمسك به، ولا شاهد عليه فتُقام عليه البيِّنة ند فعله،
فكيف تقنن لهذا الفساد عقوبته؟!..
فإن لم يكن الضابط عند المفسد نفسه، فيقوم بتهذيب نفسه، وقسرها على الطهر، والاجتهاد في مكافحتها ذاتياً، فإن مكافحة فساد البشر تبقى ذات شق واحد؟!..
إلا المؤمنين حقا...
أجل، المؤمنون حقا..
هؤلاء من تصفو بهم الحياة من جميع أنواع الفساد!...