يوسف المحيميد
كثير من الدول المتقدمة في العالم تقدم وتؤمن فرص مهمة لمبدعين من عدة دول، وذلك للتفرغ للكتابة، وعقد أسابيع وشهور للعزلة المنتجة، التي تتضمن حوارات ونقاشات لمبدعين في حقل محدد من الكتابة الإبداعية كالقصة القصيرة، والرواية، والمسرحية، هدفها في النهاية تقديم منجز إبداعي في فضاء صحي مناسب، وفي منتجعات تتصف بمنتهى الهدوء، والراحة، ولمن جرَّب مثل هذا النمط من الأسابيع والشهور في أوروبا وأمريكا، سيدرك قيمة هذه البرامج وأثرها على كتابته الإبداعية.
وقد أدركت وزارة الثقافة مبكرًا، في قطاع الأدب والنشر والترجمة، قيمة مثل هذه البرامج، خاصة والصديق الروائي محمد حسن علوان، يقود هذا القطاع، وهو ممن شارك في مثل هذه الأسابيع، وذلك بتنظيم أول معتزل للكتابة في مدينة عنيزة، باختيار منتجع مميز، يطل من جوانبه على حقول شاسعة من النخيل، وتشرفت وزميلي القاص عبدالرحمن الدرعان بالإشراف على هذا المعتزل، بتقديم ورشة يومية تتناول القصة القصيرة، وعرض نماذج مهمة من القصة العربية والأجنبية، ودراستها، والحوار حول جوانب القوة فيها، إضافة إلى منح المتدربين وقتًا جيدًا مخصصًا للكتابة، ثم وضع نصوصهم تحت مجهر النقد والتحليل من قبل المشاركين، والسعي إلى تطويرها، وهذا هو الهدف من تجمع عدد من الكتّاب والكاتبات من مناطق المملكة المختلفة، ومن دول عربية كتونس والإمارات والبحرين وغيرها.
في معتزل الكتابة هذا، تم وضع برنامج يومي كثيف، لعدة زيارات لمتاحف ومعالم أثرية في القصيم، للتعريف بهذا الجزء من وطننا، ولتحفيز هؤلاء الكتاب والكاتبات على المزيد من المعارف، وسماع الحكايات والقصص الاجتماعية والتاريخية، من قبل مختصين بتاريخ المنطقة، مما يعزز جانبي الثقافة والسياحة معًا، وتأصيل الهوية الثقافية لوطننا الكبير.
يجدر القول: إن التجربة في هذا المعتزل الحميم، تضاهي إن لم تتفوق على غيره من معتزلات وبرامج الكتابة في دول أخرى، ويكفينا شرف البدء بثقة واحتراف في إطلاق مثل هذه البرامج، متمنيًا استمرارها وتنوعها، ومشاركة أكبر عدد من الكتاب والكاتبات، من الداخل والخارج، بما يؤصل مكانة المملكة ثقافيًا كما هي مكانتها الكبيرة والمؤثرة عالميًا على المستوى الاقتصادي، وكذلك ثقلها السياسي الإقليمي والعالمي.