سمر المقرن
صبر وهجر وصفح جميل بلا أذى ولا عتاب، هذا ما أطبقه وأعتبره أجمل منهج من مناهج الحياة، حتى لا تكون كمن يسبح على رمل أو حصير فلا هو تعلم السباحة ولا أراح بدنه، وحتى تنعم بكنوز راحة البال التي لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما حصلت عليها، ولتعش حياة خالية من الغضب الذي كل دقيقة منه تجعلك تخطو سريعاً نحو الشيخوخة.
فما هو الصبر الجميل؟ إنه الصبر على تربية الأبناء ومتاعب العمل وما يصادفك في حياتك مع شروق شمس كل يوم، لأن الله خلقنا في كبد ومشقة بمسلسل لم ولن ينتهي، ولكننا نبحث عن السكينة التي لن نظفر بها إلا إذا طبقنا منهج الصبر والهجر والصفح الجميل، فيهبط القلق على حياتنا برداً وسلاما، نشرب من الحب ونُسقي أشجار الطمأنينة التي تنمو وتثمر في أنهار راحة البال، التي لن ننالها إلا بالصبر الذي ورد في القرآن الكريم حوالي 73 مرة، ونقرنه بالجميل ليكون صبر العزة والاختيار لا السخط ولا الجزع ولا التبرم ولا الشكوى! فلن يُبشرنا القلق إلا بمزيد من الآلام عندما تهاجمنا الأمراض من ثغرة الجزع.
أنا مؤمنة بأن لكل بداية نهاية، وأن اكتمال القمر علامة دامغة على نقصانه فلا مجال لأن يبقى للأبد، من هنا نستطيع أن نُجمّل صبرنا بأدوات تجميل الرضا بالمقسوم، وهي عبادة تحطم أصنام عادة الشكوى اللعينة التي تحوّل الحياة إلى جحيم أبدي. ومع الصبر لابد يوما لليل الأحزان والمصائب أن ينجلي ويتلاشى ويصبح رمادا تذروه الرياح، وكما قال الشاعر أبو الأسود الدؤلي: «تعودت مس الضر حتى ألفته وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر.. وصيرني يأسي من الناس راجيًا لحسن صنيع الله من حيث لا أدري» وهو ما أيده البحتري بقوله: «عوِّلُ على الصبرِ واتخذْ سبباً.. إِلى الليالي فإِنها دُوَلُ». وأما الهجر الجميل فهو لا يشم رائحة الحقد ولا البغضاء ولا الأذى، فاهجر ما لا ينفعك وقد يضرك، مثل قول الزور والنميمة والغيبة واهجر أهل القلوب السوداء والمتربصين والمتفننين بالكراهية والأذية!
حتى مع هذا كلّه، فإن الهجران دون أذى أو تجريح ولو كان بمشرط معقم، والهجر ليس ضعفاً أو سلبية إنما هو انتصارا للنفس القوية.
كل ما ذكرته هنا، مجموعة من الآليات التي يصل بها الإنسان إلى التصالح مع الذات، رداً على سؤال تكرر عليّ كثيراً كيف وصلتِ إلى هذه المرحلة؟ الصفح والتسامح الجميل عن زلات الأصدقاء والأحبة والأهل، وحتى الأعداء «الذين يعادون بلا سبب» فالصفح عنهم والتسامح بلا كبر ولا غرور ولا تحقير حتى لا تكن كمن نزع الشوك من الصوف فمزق الروح إربا، ولننعم بالراحة مع الصبر والهجر والصفح الجميل.