تقديم المترجم: نواصل نشر ترجمة لدراسة بقلم البروفيسور دانيال كريسيليس، أستاذ فخري لتاريخ الشرق الأوسط، قسم التاريخ ، جامعة كاليفورنيا - لوس أنجلس (UCLA)؛ وقد حصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة برينستون العريقة بعدما كتب أطروحة نوعية عن الأزهر. ونشرت هذه الورقة التي نترجمها هنا في شتاء 1966 في فصلية الشرق الأوسط (ذا ميدل إيست جورنال). وتشكل هذه الورقة الفصل الأول من كتاب مترجم تحت النشر حاليا بعنوان «الأزهر والسياسة: 1952-2002» (672 صفحة؛ منتدى المعارف، بيروت) ويصدر - بحول الله - خلال الأسابيع القليلة القادمة:
ومن الواضح أن «الغرباء» الذين عينتهم الحكومة في المجلس يمسكون بيدهم توازن القوى داخل المجلس. وبالرغم من أن شيخ الأزهر يرأس المجلس، إلا أن دوره في شؤون الأزهر العامة تم تقليصه إلى دور فخري. فلم يعد يمكنه التدخل في الشؤون الداخلية للإدارات المستقلة، ويتم التحكم به في هذا المجلس الأعلى من قبل الأعضاء الذين عينتهم الحكومة والذين يراقبونه جيداً. ولكنه احتفظ ببعض الامتيازات حيث يجب أن يستشار في بعض التعيينات، ويحصل على راتب مرتفع يبلغ 2?000 جنية سنويا، واستمر في حمل لقب «الإمام الأكبر»، ولكن تأثيره الفعلي داخل منظومة الأزهر لا يزيد عن تأثير ملكة بريطانيا على النظام البرلماني البريطاني. (41) فأهم تأثير يملكه مشتق من سمعته الشخصية كرجل صالح أو عالِم متمرس في الإسلام. (42)
وفي إطار المبادئ التوجيهية التي وضعها المجلس أصبحت الإدارات الفردية تتمتع باستقلال كبير. ومجمع البحوث الإسلامية: «هو الهيئة العليا المختصة بالبحوث الإسلامية. ويقوم بممارسة جميع الأمور المتعلقة بالبحوث، ويعمل لأجل تجديد الثقافة الإسلامية، وتحريرها من الغزو الفكري الخارجي وتخليصها من بقايا وآثار التعصب السياسي والأيديولوجي، وإظهارها في مضمون نقي وأصيل، والتشجيع على معرفتها في كل مستوى وفي كل مكان، والتعبير عن رأيها في القضايا الأيديولوجية أو الاجتماعية الجديدة التي تمس العقيدة، ويمارس مسؤوليات الدعوة للدين بالحكمة والموعظة الحسنة». (المادة 15)
ويتألف المجمع من عدد لا يزيد على خمسين عضواً من كبار علماء الإسلام، يمثلون جميع المذاهب الإسلامية، ويكون من بينهم عدد، لا يزيد على العشرين، من غير مواطني جمهورية مصر العربية. (المادة 16) ولكن هذه المحاولة لجعل الأزهر مؤسسة دولية قوية تعمل على «تنقية» الإسلام كانت فاترة الهمة وغير حماسية حتى الآن وعطلت عمل المجلس. وفي مؤتمره الأول الذي لم يعقد حتى مارس 1964، اجتمع 100 مندوب من 42 دولة، ولكن ما تم إنجازه كان قليلاً وغير مهماً. واستمع الشيوخ لعرض أوراق مختلفة كما استمعوا إلى مجموعة من الشخصيات المصرية الرفيعة تناقش الحاجة إلى إعادة تفسير موقف الإسلام تجاه المشاكل الحديثة، ولكن لم ينتج شيء ملموس حتى الآن من المجمع. (43) ولم ينتج عنه حتى الآن أي تأثير مهم في العالم الإسلامي بسبب تداخل وظيفته مع وظائف إدارات أزهرية أخرى، ولم يستقبل بحماس لائق من قبل الجماعات الإسلامية في البلدان الأخرى، وأصبح، بطبيعة الحال، قضية سياسية بين الحكومات العربية والإسلامية. (44) وفي الوقت الحاضر (عام 1966) يمثله فقط رئيس له مكتب في مبنى الإدارة القديم، ولكن من المقرر إنشاء مكتبة مركزية حديثة للمجمع. ولكن السبب الرئيسي لقلة نشاطه هو عدم رغبة الضباط الشباب في تطويره في هذه المرحلة. بل يفضلون مواصلة دعمهم الخاص الناجح لهيئة مستقلة وناجحة ومطيعة هي «المجلس الأعلى للشئون الإسلامية». ولكن هذا لا يعني عدم إمكانية بروز المجمع بشكل حيوي في مرحلة قادمة في المستقبل.
إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية
تهتم هذه الإدارة بجميع المسائل المتعلقة بالنشر والترجمة والعلاقات بين المسلمين فيما يتعلق بالبعثات والدعاة واستقبال طلاب المنح الدراسية والأشخاص الآخرين المعنيين في نطاق أهداف الأزهر. (المادة 25)
ووفقاً لعملها الآن، فإن قسم البعوث هو القسم الأكثر نشاطا. وللأسف، فإن استقلال الخمس إدارات كبير جدا لدرجة أدت لتداخل نشاطاتها بدلاً من تكاملها لتحقيق هدف مشترك.
هذه الإدارة هي المسؤولة عن 4000 طالب مبتعث يدرسون في الأزهر، ولكنها أبقت عليهم منفصلين عن الطلاب المصريين في الجامعة حتى يتقنوا العربية بدرجة تسمح بدمجهم مع نظرائهم المصريين. ويعيش الطلاب الأجانب في منطقة خاصة بهم بعيدا عن الأزهر، وتعرف باسم مدينة الطلاب الأجانب أو مدينة البعوث ، ويدرسون في فصول منفصلة، ويوجد في منطقتهم ما يحتاجونه من مصالح ووسائل ترفية. (45) ولكن عندما يتقن الطالب الأجنبي العربية، يواجه صعوبة في الانتقال من إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية إلى جامعة الأزهر بسبب عدم الكفاءة البيروقراطية واستقلال الإدارتين التام الذي يجعل الأمر كأنه أنت قال من جامعة الأزهر إلى جامعة أخرى مختلفة.
وتنشط إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية أيضاً في إرسال المعلمين الأزهريين إلى الخارج، ولكن مجدداً يؤدي تقاسم المسؤولية مع وزارة الأوقاف ووزارة التربية والتعليم لأن يصبح من المستحيل تقريبا للأزهريين أنفسهم فهم دورهم الفعلي. وإلى حد بعيد فإن معظم الأزهريين المبتعثين للخارج يتم التعامل معهم من قبل وزارة التربية والتعليم. (46)
وتدير إدارة المعاهد الأزهرية جميع المدارس الدينية الابتدائية والإعدادية والثانوية. (47) ومهمتها الكبرى هي مساواة التدريس الديني في المعاهد الأزهرية مع المدارس الحكومية. وأصبح بإمكان طلاب هذه المعاهد الحصول على شهادات صناعية وتجارية وزراعية وغيرها بحيث يمكن قبولهم في النظام المدرسي الحكومي النظامي بعد التخرج من المرحلتين الابتدائية والثانوية. ولكن في الوقت الحاضر، حدث التدفق في الاتجاه المعاكس، حيث تدفق طوفان من طلاب المدارس الحكومية إلى الكليات الجديدة لجامعة الأزهر بدرجة تكاد تزيح الأزهريين من جامعتهم.
يتبع
** **
ترجمة وتعليق/ د. حمد العيسى - الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.cm