رمضان جريدي العنزي
بعض الشهادات العلمية العليا لا تصنع لصاحبها نجاحاً باهراً، لا تشق له طريقاً، ولا تأتي له بجديد، ولا تحرز له معرفة وبصمة، لا تمنحه التأثير والتأثر، بل تظهر عجزه وفهمه ومنطقه، وتبيِّن ضعف تنظيره ولغته وحواره، وتكشف وهن قدرته، وتزيده تقعراً ممجوجاً، وهروباً نحو الزوايا الخفية. إن قوة الشهادة العلمية من قوة صاحبها، فالشهادة مجرد ورقة ممهورة بختم الجهة المانحة، وموقّعه من رئيسها، لكن الحاصل عليها بجدية تامة، وعلى أسس معرفية وفكرية هو الذي يفيد الحياة، وينفع المجتمع، وبه يتطور الوطن، يلهم الناس الدروس والعبر، يشحذ الهمم، ويرتقي بالذائقة. إن الشهادة العلمية العليا لا تعكس صاحبها، بقدر أن صاحبها الحصيف هو الذي يعكس الشهادة، ويصبح مرآة للبذل والعطاء والإنتاج، فالأكاديمي الذكي يستطيع أن يستل من دراسته الطويلة حتى حصوله على الشهادة، ما يوفّقه إلى ما يأمله ويرجوه، ويسعى إلى تقوية نفسه وتحصينها بالمعرفة المتتالية المتتابعة. إن الشهادة العلمية العليا لا تعني الاستعلاء والانتفاخ والغرور، بقدر ما تعني البذل والعطاء، والابتكار والاختراع، وتذليل العقبات والمصدات والمعاقات، وتحسين بيئة العلم والعمل، لينعكس ذلك على مسار الوطن نحو فضاءات عالية ورحبة. إن أصحاب الشهادات العلمية العليا لا بد أن تكون هممهم عالية، يعانقها شوق الإبداع، والنهوض بالأعباء الكبرى، والمسؤوليات الجسام، والطموح لارتقاء القمم، بكل ما يملكونه من فضائل وسمات، لا أن يستكينوا ويركنوا لهذه الشهادة فقط. إن الحصول على الشهادة العلمية العليا لمجرد الحصول عليها، قد ترهق صاحبها بأزمات إثر أزمات، وتغرقه بالبلادة والنكوص والفشل، وتجعله مجرد هيكل مسكون بالأوهام، إن شق الفضاء لا يأتي بالأماني والأحلام، والسفر إلى سطح القمر والمريخ لا يأتي بالتخيلات، وحتى امتطاء صهوة الجواد لا تأتي بالفهلوة، بل بعد مراس طويل. إن الحياة لا تتيح الفرص للنائمين الغارقين في النوم حتى آذانهم حتى ولو امتلكوا الشهادات العليا، لكنها تمنح الفرص للجادين، وأصحاب الإرادات الفولاذية، المدركين لحقيقة العطاء، وعوائد البذل، وعواقب التعب، إن المرء حين يقع فريسة خداع الشهادة دون عطاء وبذل وعمل، فلا بد أن يفشل، ويصيبه الهوان. إن الشهادة دافع قوي للنهوض والتميز. إن من يحول علمه الذي اكتسبه إلى واقع معيش، فإن النجاح سيكون حليفه، ويصبح يثري البشرية بالمعارف والعلوم، وستتح معه نوافذ المستقبل، على فضاءات رحبة، جميلة وبهية، وسيصنع للوطن مسارات جديدة غاية في الحسن والتأمل.