د.عبدالله بن موسى الطاير
تصدر وسم #SaudiStandWithAmerica قائمة الترند في أمريكا مساء يوم الجمعة مسجلاً إلى لحظة كتابة هذه المقالة المرتبة الثالثة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية. عام 2001م لم تكن لدينا هذه الفرصة الكبيرة في مخاطبة الأمريكيين بدون وسطاء. على الرغم من هذه الفرصة الرائعة في الوصول، فإن علينا أن نقول شكراً للملك سلمان الذي بادر بالاتصال بالرئيس الأمريكي حتى يقطع الطريق على تجار الأزمات، الذي عملوا دائماً على ضرب الصديقين ببعضهما، وشكراً للرئيس الأمريكي الذي أبرز اتصال الملك سلمان في تغريدتين رائعتين.
لم يصرح حتى اللحظة مسؤول أمريكي باعتبار الحادثة عملاً إرهابياً، غير أن حاكم ولاية فلوريدا استبق الجميع بتصريحات شعبوية لا تتناسب مع الحادثة وإنما مع الأجواء الانتخابية وحالة الاحتقان التي تعيشها أمريكا.
وبالعودة إلى الهاشتاج أعلاه، سيلاحظ أن بعض السعوديين شاركوا برسائل اعتذارية، وبعض الأمريكيين عقّبوا على تغريدة الرئيس الأمريكي يطلبون اعتذاراً سعودياً، وهذا تبسيط للمسألة. فإطلاق النار في الفصول الدراسية الأمريكية من التعليم العام إلى الجامعي متكرر الحدوث في أمريكا. وقبل حادثة إطلاق النار هذه كان هناك حادث إطلاق نار في قاعدة أمريكية أخرى قبل أقل من أسبوع. ولذلك فلا محل للخطاب الذي يعرض الاعتذار أو يطالب به.
وإذا افترضنا جدلاً أن هذا العمل إرهابي، فإنني لا أتردد في القول بأن الذي فعله هو الذي فعل الذي قبله. الأعمال الإرهابية ليست بتلك السذاجة. قرار شخص القتل، بما في ذلك قتل نفسه، ليس قراراً فردياً، إلا إذا كان هذا القاتل مجنوناً، وإنما قرار تنتجه عمليات معقدة تبدأ بغسيل المخ، ومن ثم تفخيخ القناعة، واستلاب الإرادة وتوجيه السلوك ليقتل في المكان المحدد وفي التوقيت المناسب الذي يفرضه المستفيد.
كأي جريمة، لا يجب أن تجنح بنا العواطف بعيداً عن السؤال عن المستفيد منها، وهو سؤال -بالمناسبة- أغفل طرحه بجدية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، بل وحتى لم يكن مسوغاً حينئذ. ومع السنوات، انطلقت أسر بعض الضحايا إلى المحاكم، تسأل عن المستفيد لمعرفة من قتل أحبتهم في تلك الصبيحة المشؤومة. حكمت المحكمة أن المستفيد دولة ثالثة من صالحها ضرب عدويها الرئيسين ببعضهما البعض، وقد فعلت ذلك بإتقان لم ينطل على المحكمة الفيدرالية في نيويورك. هل استفادت السعودية من ذلك الحكم؟ هل توبع وأعطي ما يستحق من انتشار؟ هل دقق في الأدلة التي بني عليها الحكم؟ مهمتي أن أسال، ومهمة غيري الإجابة. أزعم وبناء على ما يتوافر من معلومات أن الكتاب الذي أصدرته هذا الصيف بمعية الصديق الأمريكي جيمس موور «بعنوان Satan in Flames هو الوحيد الذي جمع شتات الأدبيات المتناثرة من عرائض الدعوى، والأحكام، وسجلات التحقيق التي تؤكد بحكم قاطع القاعدة بالتضامن مع الحرس الثوري وحزب الله، وتحديداً عماد مغنية، والظواهري، والاستخبارات الإيرانية كانوا وراء هذه العملية التي أطلقوا عليها في سجلات مخابراتهم «حرق الشيطان»، وهو ذاته الذي اتخذناه عنواناً لهذا الإصدار باللغة الإنجليزية.
جريمة قاعدة بنساكولا، إذا صنّفت إرهابية، تأتي في وقت تعيش فيه العلاقات السعودية الأمريكية حقبة ذهبية، ولذلك فإن التحقيق المعمق في أسبابها ربما يوجه أصبع الاتهام إلى المستفيد منها. إعلان نتائج التحريات بسرعة وشفافية سيحول دون قيد العملية ضد السعودية. والتباطؤ حتى تجف الأحبار وترفع الصحف سيكون له عواقب وخيمة على سمعة المملكة. تفجيرات الخبر 1996م دانت فيها المحاكم الأمريكية الحرس الثوري، وأحداث 11 سبتمبر 2001م حكمت فيها المحكمة الأمريكية على نظام ولاية الفقيه، بينما لا يزال بعض قومنا غير مصدقين.
السعودية وأمريكا يشكِّلان غصة في حلوق الذين يريدون الهيمنة على الشرق الأوسط، وتدرك أية قوة مهما بلغ عتادها وسلطتها فإنها لا تستطيع أن تسيطر على هذه المنطقة في ظل التعاون السعودي الأمريكي. حدث ذلك إبان المد الشيوعي، وتعزَّز أثناء الحرب العالمية على الإرهاب. ولذلك فإن استمرار المحاولات في ضرب الدولتين ببعضهما هو الخيار الأمثل لأعدائهما. وأرجو ألا يكون هذا الحادث ضمن سلسلة الاستهداف الممنهج للعلاقات السعودية الأمريكية.